﴿ثم استوى إِلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طَوعاً أو كَرهاً قالتا أتينا طائعين﴾، الاستواء مجاز عن إيجاد الله تعالى السماء على ما أراد، تقول العرب : فعل فلان كذا ثم استوى إلى عمل كذا، يريدون أنه أكمل الأول وابتدأ الثاني، أو قصد وانتهى. فالاستواء إذا عدي بـ " إلى " فهو بمعنى الانتهاء إليه بالذات أو بالتدبير، وإذا عدّي بـ " على " فبمعنى الاستعلاء، ويفهم منه أن خلق السماء بعد الأرض، وهو كذلك، وأما دحو الأرض وتقدير أقواتها فمؤخر عن السماء، كما صرح في قوله :﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَآ﴾ [النازعات : ٣٠]، والترتيب في الخارج : أنه خلق الأرض، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض في يومين، فـ " ثم " للتفاوت بين الخلقين لا للترتيب، أو : للتفاوت في المرتبة، ترقياً من الأدنى إلى الأعلى، كقول القائل :
إِنْ مَنْ ساد ثم ساد أبوه
ثم [قد] ساد بعد ذلك جَدُّه
٣٣٢
وفي بعض الأحاديث :" إن الله خلق الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والعُمران والخراب، فتلك أربعة أيام، وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة، وخلق آدم عليه السلام في آخر ساعة من يوم الجمعة " وهي الساعة التي تقوم فيها الساعة. قاله النسفي، وفي حديث مسلم ما يخالفه.
قال ابن عباس رضي الله عنه : أول ما خلق الله ـ أي : بعد العرش ـ جوهرة طُولها وعرضها ألف سنة، فنظر إليها بالهيبة، فذابت وصارت ماء، فكان العرش على الماء، فاضطرب الماء، فثار منه دخان، فارتفع إلى الجو، واجتمع زيد، فقام فوق الماء، فجعل الزبد أرضاً، ثم فتقها سبعاً، والدخان سماء، فسوّاهن سبع سموات.