به كافرون} أي : فحيث كنتم بشراً مثلنا، ولم تكونوا ملائكة، ولم يكن لكم فضل علينا، فإنا لا نؤمن بكم، ولا بما جئتم به، وقولهم :﴿أُرسلتم به﴾ ليس بإقرار بالإرسال، وإنما هو على كلام الرسل، وفيه تهكُّم، كما قاله فرعون :﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ [الشعراء : ٢٧] وقولهم :﴿بما أرسلتم به كافرون﴾ خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء، الذين دعوا للإيمان.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٥
رُوي أن أبا جهل قال في ملأ من قريش : قد التبس علينا أمر محمد، فلو التمستم لنا رجلاً عالماً بالشعر والكهانة، فكَلَّمه، ثم أتانا بالبيان من أمره، فقال عُتبة بن ربيعة : والله لقد سمعتُ الشعر والكهانة والسحر، وعلمتُ من ذلك علماً ما يخفى عليَّ، فأتاه، فقال : أنت يا محمد خير أم هاشم ؟ أنت يا محمد خير أم عبد المطلب ؟ أنت خير أم عبد الله ؟ فبمَ تشتم آلهتنا وتضللنا ؟ فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك اللواء، فكنت رئيسنا ما بقيت، وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوةٍ من أيّ بنات قريش شئتَ، وإن كان بك المال، جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك. والنبي ﷺ ساكت، فلما فرغ عتبةُ، قال ﷺ :" ﴿بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم...﴾ إلى قوله تعالى :﴿مثل صاعقة عاد وثمود﴾ "، فأمسك عتبة على فِيه النبيّ ﷺ وناشده بالرحم، فرجع عبتةُ إلى أهله، ولم يخرج إلى قريش، فلما احتبس عنهم، قالوا : ما نرى عتبة إلا صبأ، فانطلقوا، وقالوا : يا عتبة ؛ ما حبسك عنا إلا أنك صبأت إلى محمد، أم أنك أعجبك طعامه ؟ فغضب، ثم قال لهم : لقد كلمته فأجابني بشيء، والله ما هو شعر، ولا كهانة، ولا سحر، ثم تلى عليهم ما سمع منه إلى قوله :﴿مثل صاعقة عاد وثمود﴾ فأمسكتُ بفيه، وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخفتُ أن ينزل بكم العذاب. هـ.