ثم بيَّن ما ذكره من صاعقة عاد وثمود، فقال :﴿فأما عاد فاستبكروا في الأرض بغير الحق﴾ أي : تعاظموا فيها على أهلها بما لا يستحقون به التعظيم، وهو القوة، وعظم الأجرام، واستولوا على الأرض بغير استحقاق للولاية، ﴿وقالوا مَن أشدُّ منا قوةً﴾، كانوا ذوي أجسام طوال، وخلْق عظيم، بلغ من قوتهم أن الرجل كان يقلع الصخرة من الجبل بيده، ويلوي الحديد بيده، ﴿أوَلَمْ يَرَوا﴾ أي : أَوَلَم يعلموا علم عيان ﴿أن الله الذي خلقهم هو أشَدُّ منهم قوةً﴾ ؟ أوسعُ منهم قدرة ؛ لأنه قادر على كل شيء، وهم قادرون على بعض الأشياء بإقداره، ﴿وكانوا بآياتنا﴾ المنزلة على رسلهم ﴿يجحدون﴾ أي : ينكرونها وهم يعرفون حقِيتها، كما يجحد المودَعُ الوديعة. و (هم) : عطف على (فاستكبروا)، وما بينها اعتراض، للرد على كلمتهم الشنعاء.
﴿فأرسلنا عليهم ريحاً صَرْصَراً﴾ أي : بارداً تهلك وتُحرق ؛ لشدة بردها، من : الصر، وهو البرد، الذي يجمع ويقبض، أو : عاصفة تصوّت في هبوبها، من الصرير،
٣٣٦
فضوعف، كما يقال : نهنهت وكفكفت. ﴿في أيام نَّحِساتٍ﴾ ؛ مشؤومات عليهم، من : نَحِس نحساً، نقيض : سعد سعداً، وكانت من الأربعاء آخر شوال إلى الأربعاء، وما عُذِّب قوم إلا في الأربعاء. قيل : أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين، ودامت الرياح عليهم من غير مطر. قيل : إذا أراد الله بقوم خيراً، أرسل عليهم المطر، وحبس عنهم كثرة الرياح، وإذا أراد الله بقوم شرّاً، حبس عنهم المطر، وأرسل عليهم كثرة الرياح. هـ.
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٥
لنُذيقَهُمْ عذابَ الخزي في الحياة الدنيا﴾، أضاف العذاب إلى الخزي، وهو الذل، على أنه وصف للعذاب، كأنه قال : عذاب خزي، ويدل عليه قوله :﴿ولعذابُ الآخرة أخزى﴾ أي : أذل لصاحبه، وهو في الحقيقة وصف للمعذَّب، وُصف به العذاب للمبالغة، كقولك : له شعر شاعر. ﴿وهم لا يُنصَرُون﴾ برفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه.