﴿وأما ثمودُ فهديناهمْ﴾ ؛ دللناهم على الرشد، بنصب الآيات التكوينية، وإرسال الرسل، وإنزال الآيات التشريعية، ﴿فاستحبُّوا العَمَى على الهُدى﴾ أي : اختاروا الضلالة على الهداية، ﴿فأخذتهم صاعقةُ العذابِ الهُون﴾ أي : داهية العذاب الذي يهين صاحبه ويخزيه، وهي الصيحة والرجفة، والهُون : الهوان، وصف به للمبالغة، ﴿بما كانوا يكسبون﴾ أي : بكسبهم الخبيث من الشرك والمعاصي. قال الشيخ أبو منصور : يحتمل قوله :﴿فهديناهم﴾ : بيَّنا لهم، كما تقدّم، ويحتمل : خلق الهداية في قلوبهم، فصاروا مهتدين، ثم كفروا بعد ذلك، وعقروا الناقة، لأن الهدي المضاف إلى الخالق يكون بمعنى البيان، ويكون بخلق فعل الاهتداء، وأما الهدي المضاف إلى الخلق فيكون بمعنى البيان، لا غير. هـ.
وقال الطيبي : قوله تعالى :﴿فهديناهم﴾ هو كقوله تعالى :﴿إِذْ جَآءَتْهُمُ الرُّسُلُ﴾ [فصلت : ١٤]. وقوله :﴿فاستحبوا العمى على الهدى﴾ هو كقوله :﴿قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا...﴾ [فصلت : ١٤] الآية. وكذا في قوله :﴿فأما عاد فاستكبروا في الأرض﴾، فإن الفاء في " فاستكبروا " فصيحة، تُفصح عن محذوف، أي : فهديناهم فاستكبروا بدلالة ما قيل في ثمود. هـ.
﴿ونجينا الذين آمنوا﴾ أي : اختاروا الهدى على العمى، من تلك الصاعقة، ﴿وكانوا يتقون﴾ الضلالة والتقليد.
الإشارة : كل مَن أعرض عن الوعظ والتذكار، ونأى عن صُحبة الأبرار ؛ فالصعقة لاحقة به، إما في الدنيا أو في الآخرة. وقوله تعالى :﴿فأما عاد فاستكبروا...﴾ الآية : أوصاف العبودية أربعة : الضعف، والذل، والفقر، والعجز، فمَن خرج عن واحد منها، فقد تعدّى طوره، واستحقّ الهلاك والهوان، ورمته رياح الأقدار في مهاوي النيران.
وقوله :﴿وأما ثمود فهديناهم﴾ أي : بيَّنا لهم طريق السير إلينا، على ألسنة الوسائط،
٣٣٧


الصفحة التالية
Icon