﴿وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعُكم ولا أبصارُكم ولا جلودُكم﴾، يحتمل أن يكون من كلام الجلود، أو : من كلام الله ـ عزّ وجل ـ وهو الظاهر، أي : وما كنتم تستترون في الدنيا عند مباشرتكم الفواحش مخافة أن تشهد عليكم جوارحكم، ولو خفتم من ذلك ما استترتم بها، ﴿ولكن ظننتم أنَّ الله لا يعلمُ كثيراً مما تعملون﴾ من القبائح الخفية، فلا يظهرها في الآخرة. وعن ابن مسعود رضي الله عنه : كنت مستتراً بأستار الكعبة، فدخل ثلاثة نفر ؛ وثقفيان وقرشي، أو : قرشيان وثَقَفي، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول ؟ قال الآخر : سمع جهرنا ولا يسمع ما أخفينا، فذكر ذلك للنبي ﷺ، فأنزل الله تعالى :﴿وما كنتم تستترون...﴾ الآية، فالحُكم المحكي حينئذ يكون خاصّاً بمَن كان على ذلك الاعتقاد من الكفرة، انظر أبا السعود.
٣٣٩
﴿وذلكم ظنُّكم الذي ظننتم بربكم أرداكم﴾ ؛ أهلككم، فـ " ذلك " : مبتدأ، و " ظنكم " : خبر، و " الذي ظننتم بربكم " : صفة، و " أرداكم " : خبر ثان، أو : ظنكم : بدل من " ذلك " و " أرداكم " : خبر، ﴿فأصبحتم﴾ بسبب الظن السوء ﴿من الخاسرين﴾ إذ صار ما منحوا لسعادة الدارين سبباً لشقاء النشأتين.
﴿فإِن يصبروا فالنارُ مثوىً﴾ ؛ مقام ﴿لهم﴾ أي : فإن يصبروا لم ينفعهم الصبر، ولم ينفكوا به من الثوى في النار، ﴿وإِن يستعينوا﴾ أي : يسألُوا العتبى ؛ وهو الاسترضاء ﴿فما هم من المُعتَبين﴾ ؛ المجابين إليها، أي : وإن يطلبوا الاسترضاء من الله تعالى ليرضى عنهم، فما هم من المرضين ؛ لما تحتّم عليهم واستوجبوه من السخط، قال الجوهري : أعتبني فلان : إذا عاد إلى مسرتي، راجعاً عن الإساءة، والاسم منه : العتبى، يقال ؛ استعتبته فأعتبني، أي : استرضيته فأرضاني. وقال الهروي : إن يستقيلوا ربهم لم يقلهم، أي : لم يردهم إلى الدنيا، أو : إن أقالهم وردهم لم يعملوا بطاعته، كقوله :﴿وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ﴾ [الأنعام : ٢٨].


الصفحة التالية
Icon