[الزخرف : ٣٦]، ﴿فَزَيَّنوا لهم ما بين أيديهم﴾ من أمور الدنيا، واتباع الشهوات، والتقليد لأسلافهم، حتى حادوا عن الحق، ﴿وما خَلْفَهم﴾ من أمور الآخرة، حيث ألقوا إليهم : ألا بعث ولا حساب. أو : ما تقدّم من أعمالهم وما هم عازمون عليها، ﴿وحقّ عليهم القولُ﴾ أي : ثبت وتقرّر عليهم كلمة العذاب، أو : تحقق موجبها ومصداقها، وهي قوله تعالى لإبليس :﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص : ٨٥]، حال كونهم ﴿في﴾ جملة ﴿أمم قد خلت مِن قبلهم﴾ أي : قبل أهل مكة ﴿من الجن والإِنس﴾ كانوا مُصرّين على الكفر والعصيان، ﴿إِنهم كانوا خاسرين﴾ حيث آثروا الباطل على الحق، وهو تعليل لاستحقاقهم العذاب. والضمير لهم وللأمم.
الإشارة : قال القشيري : إذا أراد الله بعبده سوء، قيّض له إخوان سوء وقرناء شر، هم الأضداد له فيما راموا، وإذا أراد الله بعبد خيراً قيّض له قرناء خير، يُعِينونه على الطاعة، ويَحْمِلونه عليها، ويدعونه إليها، وإذا كانوا إخوانَ سوءٍ يحملونه على المخالفات، ويدعونه إليها، ومن ذلك الشيطانُ. ثم قال : وشرُّ قرين للمرء نفسُه، ثم الشيطان، ثم شياطين الإنسِ، فزيّنوا لهم ما بين أيديهم من طول الأمل، وما خلفهم من نسيان الزَّلَلِ، والتسويف في التوبة، والتقصير في الطاعة. هـ.
قلت : والله ما رأينا الفلاح والخسران إلا من الخلطة. قال بعضهم : والله ما أفلح مَن أفلح إلا بصحبة مَن أفلح، ولا سيما صبحة العارفين ؛ فساعة معهم تعدل عبادة سنين بالصيام والقيام وأنواع المجاهدة، ولله در الجيلاني رضي الله عنه حيث قال :
فَشمرْ ولذْ بالأَولياءِ فإِنّهم
لَهُمْ مِنْ كِتَاب الله تلْكَ الوَقَائعُ
> هُمُ الذُّخْرُ للْملهوف والكَنزُ للرَّجا
ومنهم يَنَالُ الصَّبُّ مَا هو طامِعُ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٠
> بهم يُهتدى للْعَيْنِ مَنْ ضَلَّ في العَمَى