﴿نحن أولياؤُكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾، كما أن الشياطين قرناء العصاة وإخوانهم، فكذلك الملائكة أولياء المتقين وأحباؤهم في الدارين. ﴿ولكم فيها ما تشتهي
٣٤٣
أنفسُكم﴾
من فنون الطيبات، ﴿ولكم فيها ما تَدَّعون﴾ ؛ ما تتمنون، افتعال من الدعاء، بمعنى الطلب، ﴿نُزُلا﴾ : حال من مفعلو " تَدّعون " المحذوف، أو : من " ما "، والنُزُل : ما يقدم للنزيل، وفيه تنبيه على أن ما يتمنونه بالنسبة إلى ما يعطون من عظائم النعيم كالنُزُل للضيف. والله تعالى أعلم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٣
الإشارة : إن الذين أقرُّوا بقهرية الربوبية، وقاموا بوظائف العبودية، تتنزل عليهم الملائكة بالبشارة الأبدية. قال القشيري : فأما الاستقامة فهي الثباتُ على شرائط الإيمان بجملتها، من غير إخلالٍ بشيء من أقسامها.
ثم قال : مَن كان له أصل الاستقامة، وهي التوحيد، أَمِنَ من الخلود في النار، ومَن كان له كمال الاستقامة أَمِنَ من الوعيد، من غير أن يلحقه سوء بحالٍ. ويقال : استقاموا على دوام الشهود، وانفراد القلب بالمعبود، أو : استقاموا في تصفية العقد، ثم في توفية العهد، ثم في صحة القصد، بدوام الوجد، أو : استقاموا بأقوالهم، ثم بأعمالهم، ثم بصفاء أحوالهم، في وقتهم وفي مآلهم، أو : داموا على طاعته، واستقاموا في معرفته، وهاموا في محبته، وقاموا بشرائط خدمته. واستقامة العابد : ألا يعود إلى الفترة واتباع الشهوة، ولا يدخله رياء ولا تصنُّع، واستقامةُ العارف : ألا يشوب معرفته حظ في الدارين، فيحجب به عن مولاه، واستقامةُ المحبين : ألا يكون لهم أرب من غير محبوبهم ؛ يكتفون من عطائه ببقائه، ومن مقتضى جوده بدوام عِزِّه ووجوده. هـ.


الصفحة التالية
Icon