وقوله تعالى :﴿تتنزل عليهم الملائكة﴾ أي : تمدهم بالاهتداء والأنوار، وتلهمهم العلوم والأسرار، في مقابلة تقييض الغافل بالقرناء الأشرار، فكما أن الغافل يخذل بتسليط الغواة في الدارين، كذلك العارف يُمد ويُنصر من قِبل الملائكة في الدارين.
وقوله تعالى :﴿ألاَّ تخافوا ولا تحزنوا﴾ أي : حيث وجدتم الله لا تخافوا من شيء، ولا تحزنوا على فوات شيء، إذ لم يفتكم شيء، وماذا فقط من وجده ؟
قال القشيري : لا تخافوا من عزلة الولاية، ولا تحزنوا على ما أسلفتم من الجناية، وأبشروا بحسن العناية، أو : لا تخافوا مما أسلفتم، ولا تحزنوا على ما خلَّفتم، وأبشروا بالجنة التي وعدتم. أو : لا تخافوا المذلَّة، ولا تحزنوا على ما أسلفتم من الزلَّة، وأبشروا بدوام الوصلة. هـ.
ثم قال في قوله تعالى :﴿نحن أولياؤكم﴾ : الولاية من الله تعالى بمعنى المحبة، وتكون بمعنى النصرة، وهذا الخطاب بقوله :﴿نحن أولياؤكم﴾، يحتمل أن يكون من قِبَلِ الملائكة، الذين يتنزلون عليهم، ويحتمل أن يكون ابتداء خطابٍ من الله تعالى، والنصرة تصدر من المحبة، ولو لم تكن المحبة الأزلية لم تكن تحصل النصرة في الحال. هـ. وكونه من الملائكة أظهر، كما تقدّم. والله تعالى أعلم.
٣٤٤
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٣
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ومَن أحسنُ قولاً ممن دعا إِلى اللهِ﴾ أي : إلى الإقرار بربوبيته، والاستقامة على عبوديته، وهو الرسول ﷺ وخلفاؤه من أمته، الدعاة إلى الله في كل عصر، أي : لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى معرفة الله، ﴿وعَمِل صالحاً﴾ فيما بينه وبين ربه، بأن عمل أولاً بما دعا إليه، ﴿وقال إِنني من المسلمين﴾ تفاخراً بالإسلام، وابتهاجاً بأنه منهم، واتخاذ الإسلام ديناً، من قولهم : هذا قول فلان، أي : مذهبه ؛ لأنه يتكلم بذلك، أو : يقوله تواضعاً، أي : من جملة عامة المسلمين.


الصفحة التالية
Icon