﴿ولا تستوي الحسنةُ ولا السيئةُ﴾، هذا بيان محاسن الأعمال الجارية بين العباد، إثر بيان محاسن الأعمال الجارية بين العبد وبين الرب ـ عزّ وجل ـ ترغيباً للدعاة إلى الله في الصبر على إذاية الخلق، لأن كل مَن يأمر بالحق يُؤذَى، فأُمروا بمقابلة الإساءة بالإحسان، أي : لا تستوي الخصلة الحسنة والخصلة السيئة، و (لا) : مزيدة، لتأكيد النفي، ﴿ادفع بالتي هي أحسنُ﴾ أي : ادفع السيئة التي اعترضتك من بعض أعدائك بالتي هي أحسن منها، وهي : أن تُحسن إليه في مقابلة إساءته، فالحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما، فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها، وادفع بها السيئة، كما لو أساء إليك رجل، فالحسنة : أن تعفو عنه، والتي هي أحسن : أن تُحسن إليه مكان إساءته، مثل أن يذمك فتمدحه، ويحرمك فتعطيه، ويقطعك فتصله. وعن ابن عباس رضي الله عنه : التي هي أحسن : الصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة. هـ.
﴿فإِذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌّ حميم﴾ أي : فإنك إن فعلت ذلك انقلب عدوك المشاقق مثل وليك الحميم الشفيق، مصافاة لك، وهذا صعب على النفوس، ولذلك قال :
﴿وما يُلقاها إلا الذين صبروا﴾ أي : ما يلقى هذه الخصلة التي في مقابلة الإساءة بالإحسان إلا أهل الصبر، ﴿وما يُلقاها إِلا ذو حظ عظيم﴾ من الله تعالى وسبق عنايته بكمال النفس وتهذيبها. وعن ابن عباس رضي الله عنه : الحظ العظيم : الثواب، وعن الحسن : والله ما عظم حظ دون الجنة. وقيل : نزلت في أبي سفيان بن حرب، كان عدوّاً
٣٤٥
مؤذياً للنبي ﷺ فصار وليّاً مصافياً له، وبقيت عامة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥


الصفحة التالية
Icon