وقُرىء " أعجمي " بفح العين، ويتجه على كونهم طعنوا فيه من أجل ما فيه من الكلمة العجمية، كـ ﴿سِجِّينٍ﴾ [المطفِفين : ٧] و ﴿إِسْتَبْرَقٍ﴾ [الكهف : ٣١]، فقالوا : فيه أعجمي وعربي، مخلط من كلام العرب وكلام العجم، وأيّاً ما كان فالمقصود : أن آيات الله ـ عزّ وجل ـ على أيِّ طريق جاءتهم وجدوا متعنتاً يتعلّلون به ؛ لأنهم غير طالبين للحقِّ،
٣٥٠
وإنما يتعبون أهواءهم. ﴿قل هو للذين آمنوا هُدًى﴾ يهديهم إلى الحق، ﴿وشفاءٌ﴾ لما في الصدور من شك وشبهة ؛ إذ الشك مرض.
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٥٠
والذين لا يؤمنون﴾
به ﴿في آذانهم وَقْرٌ﴾ أي : صمم، فالموصول : مبتدأ، والجار : خبره، وقيل : في موضع الجر، بدل من (الذين آمنوا) أي : هو للذين آمنوا هُدىً وللذين لا يؤمنون في آذانهم وقر، إلا أن فيه عطفاً على عاملين، وهو جائز عند الأخفش. ﴿وهو﴾ أي : القرآن ﴿عليهم عَمىً﴾ ظلمة وشبهة، ﴿أولئك﴾ البعداء الموصوفون بما ذكر من التعامي عن الحق الذي يسمعونه، والتعامي عن الآيات الظاهرة التي يشاهدونها، ﴿يُنادَوْنَ من مكان بعيدٍ﴾ يعني : أنهم لعدم قبولهم وانتفاعهم، كأنهم يُنادون إلى الإيمان بالقرآن من حيث لا يسمعون، لبُعد المسافة، وهو تمثيل لحالهم بحال مَن يُنادي من مسافة بعيدة ؛ لا يكاد يسمع من مسافتها الأصوات، وقيل : ينادون في القيامة من مكان بعيد بأقبح الأسماء. الإشارة : ما يُقال لك أيها المتوجه أو الوليّ، إلا ما قد قيل لِمن قبلك من المنتسبين، فقد أُوذِي مَن قبلك من أهل النسبة بأنواع الإذايات ؛ من ضربٍ وقتلٍ وسجنٍ، وغير ذلك، ففيهم أُسوة لمن بَعدهم، ﴿إِن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم﴾. ومما جرت عادة الله في خلقه ألا يُسَلِّموا لأحياء عصرهم ما نطقوا به من حِكَم، وأَتَوا به من علوم، ولو بلغت من البلاغة ما بلغت، كما وقع مِن طعن الكفرة في القرآن، على أيّ وجه جاء، وهي نزعة جاهلية.


الصفحة التالية
Icon