بما عندي من خير، وفضل، وأعمال برّ، أو : هذا لي لا يزول عني أبداً، ﴿وما أظنُّ الساعةَ قائمةً﴾ أي : ما أظنها تقوم فيما سيأتي، ﴿ولئن رُّجِعْتُ إِلى ربي﴾ كما يقول المسلمون، ﴿إِنَّ لي عنده لَلْحُسْنَى﴾ أي : الحالة الحسنى من الكرامة والنعمة، أو : الجنة. قاس أمر الآخرة على أمر الدينا ؛ لأن ما أصابه من نِعَمِ الدنيا، زعم أنه لاستحقاقه إياها، وأن نِعَم الآخرة كذلك. وهذا غرور وحمق، الرجاء ما قارنه عمل، وإلا فهو أُمنية، " الجاهل مَن أَتْبَعَ نَفْسه هواها، وتمنّى على الله، والكيِّسُ مَن دَانَ نفسه، وعَمِلَ لما بعد الموتِ ". ﴿فلننبئَنَّ الذين كفروا بما عَمِلُوا﴾ أي : فلنخبرنهم بحقيقة ما عملوا من الأعمال الموجبة للعذاب، ﴿ولَنُذِيقَنَّهم من عذابٍ غليظٍ﴾ ؛ شديد، لا يفتر عنهم.
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٥٣
وإِذا أنعمنا على الإِنسان أعْرَضَ﴾
، هذا ضرب آخر من طغيان الإنسان ؛ إذا أصابه الله بنعمته، أبطرته النعمة، وأعجب بنفسه، فنسي المنعِّم، وأعرض عن شكره، ﴿ونأى بجانبهِ﴾ ؛ وتباعد عن ذكر الله ودعائه وطاعته، أو : ذهب بنفسه وتكبّر وتعاظم، والتحقيق : أن المراد بالجانب النفس، فكأنه قال : وتباعد بنفسه عن شكر ربه، ﴿وإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ﴾ ؛ الفقر والضر، ﴿فذو دعاءٍ عريضٍ﴾ أي : تضرُّع كثير، أي : أقبل على دوام الدعاء والابتهال. ولا منافاة بين قوله :﴿فَيؤوس قنوط﴾ وبين قوله :﴿فذو دعاء عريض﴾ ؛ لأن الأول في قوم، والثاني في قوم، أو : قَنوط في البَر، وذو دعاء عريض في البحر، أو : قَنُوط بالقلب، وذو دعاء باللسان، أو : قَنُوط من الصنم، وذو دعاء لله تعالى.


الصفحة التالية
Icon