الإشارة : اللائق بالأدب أن يكون العبد عند الشدة داعياً بلسانه، راضياً بقلبه، إن أجابه شكر، وإن منعه انتظر وصبر، ولا ييأس ولا يقنط، فإنه ضَمِنَ الإجابة فيما يريد، لا فيما تريد، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد، وإن فرّج عنك نسبتَ النعمةَ إليه، دون شيء من الوسائط العادية، هذا ما يُفهم من الآية، وتقدّم الكلام عليها في سورة هود. وبالله التوفيق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٥٣
٣٥٤
يقول الحق جلّ جلاله :﴿قل أرأيتم﴾ ؛ أخبروني ﴿إِن كان﴾ القرآن ﴿من عندِ اللهِ ثم كفرتُمْ به﴾ ؛ جحدتم أنه من عند الله، مع تعاضد موجبات الإيمان به، ﴿مَنْ أَضلُّ﴾ منكم ؟ فوضع قوله :﴿ممن هو في شقاق بعيد﴾ موضعه، شرحاً لحالهم، وتعليلاً لمزيد ضلالهم.
﴿سَنُريهِمْ آياتنا﴾ الادلة على حقيَّتِه وكونه من عند الله، ﴿في الآفاق﴾ من فتح البلاد، وما أخبر به النبي ﷺ من الحوادث الآتية، وآثار النوازل الماضية، وما يسَّر الله تعالى له ولخلفائه من الفتوحات، والظهور على آفاق الدنيا، والاستيلاء على بلاد المشارق والمغارب، على وجه خرق العادة، ﴿و﴾ نريهم ﴿في أنفسهم﴾ ؛ ما ظهر من فتح مكة وما حلّ بهم.
وقال ابن عباس : في الآفاق : منازل الأمم الخالية وآثارهم، وفي أنفسهم : يوم بدر. وقال مجاهد وغيره : في الآفاق : ما يفتح الله من القرى على نبيه ﷺ والمسلمين، وفي أنفسهم : فتح مكة. وقيل : الآفاق : في أقطار السموات والأرض، من الشمس، والقمر، والنجوم، وما يترتب عليها من الليل، والنهار، والأضواء، والظلال، والظلمات، ومن النبات، والأشجار، والأنهار، ﴿وفي أنفسهم﴾ : من لطيف الصنعة وبديع الحكمة، من تكوين النطفة في ظلمات الأرحام، وحدوث الأعضاء العجيبة، والتركيبات الغريبة، كقوله تعالى :﴿وَفِى أَنفُسِكُمْ...﴾ [الذاريات : ٢١].


الصفحة التالية
Icon