الإشارة : قد اشتملت الآية على مقام الاستدلال في مقام الإيمان، وعلى مقام العيان في مقام الإحسان، أي : سنُريهم آياتنا الدالة على وجودنا في الآفاق، وفي أنفسهم، أي : في العوالم المنفصلة والمتصلة، حتى يتبين لهم أنه الحق، أي : وجوده حق، لأن الصنعة قطعاً تحتاج إلى صانع، ثم رقَّاهم إلى مقام المراقبة بقوله :﴿أوَلم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد﴾، ثم زاد إلى المشاهدة بقوله :﴿ألا إِنهم﴾ أي : أهل الجهل بالله، ﴿في مرية من لقاء ربهم﴾ في الدنيا، بحصول الفناء، فيفنى وجود العبد في وجود الحق، ألا إنه بكل شيء محيط، فبحر العظمة أحاط بكل شيء، وأفنى كل شيء، ولم يبقَ مع وجوده شيء. وفي الحِكَم :" ما حجبك عن الله وجود موجود معه ؛ إذ لا شيء معه، وإنما حجبك توهُّم موجود معه " وقال أيضاً :" الأكوان ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته، فأحدية الذات محت وجودَ الأشياء كلها، ولم يبقَ إلا القديم الأزلي.
وقال القطب ابن مشيش لأبي الحسن رضي الله عنه : يا أبا الحسن، حدّد بصر الإيمان تجد الله في كل شيء، وعند كل شيء، ومع كل شيء، وقبل كل شيء، وبعد كل شيء، وفوق كل شيء، وتحت كل شيء، وقريباً من كل شيء، ومحيطاً بكل شيء، بقُرب هو وصفه، وبحيطة هي نعته، وعَد عن الظرفية والحدود، وعن الأماكن والجهات، وعن الصحبة والقرب في المسافات، وعن الدور بالمخلوقات، وأمحق الكل بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو هو هو، كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان. هـ.
وقوله : وعد عن الحجهات، جاوز عن اعتقادها ؛ إذ لا ظرف، ولا حد، ولا مكان، ولا جهة، إذ الكل عظمة ذاته، وأنوار صفاته، والحد إنما يتصور في المحدود، ولا حد لعظمة ذاته ولا نهاية، ولا يحصرها مكان، ولا جهة ؛ إذ الكل منه وإليه. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد، عين بحر التحقيق، وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليماً.
٣٥٦
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٥٤


الصفحة التالية
Icon