ثم بيّن عظمته، فقال :﴿يكادُ السماواتُ يتفطَّرْنَ من فوقهن﴾ ؛ تتشققن من عظمة الله تعالى وعلو شأنه، يدلّ عليه مجيئه بعد قوله :﴿وهو العلي العظيم﴾. وقيلَ : من دعائهم له ولداً، كقوله :﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ﴾ [مريم : ٩٠] إلخ، ويؤيده : مجيء قوله :﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ﴾ [الشورى : ٦]. وقرأ البصريّ وشبعة :" ينفطرن "، والأول أبلغ. ومعنى :﴿من فوقهن﴾ أي : يبتدين بالانفطار من جهتهنّ الفوقانية. وتخصيصها على التفسير الأول ؛ لأن أعظم الآيات وأدلها على العظمة والجلال من تلك الجهة، وأيضاً : استقرار الملائكة إنما هو من فوق، فكادت تنشق من كثرة الثِقل، كما في الحديث :" أطَّت السماء، وحُقّ لها أن تَئطَّ، ما فيها موضع قدم إلا وفيها ملك راكع أو ساجد ". وعلى الثاني للدلالة على التفطُّر من تحتهن بالطريق الأولى ؛ لأن تلك الكلمة الشنعاء، الواقعة في الأرض حين أثرت في جهة الفوق فلأن تؤثر في جهة التحت أولى. وقيل :" من فوقهن " : من فوق الأرض، فالكناية راجعة إلى الأرض، من قوله :﴿له ما في السماوات وما في الأرض﴾ لأنه بمعنى الأرضين. ﴿والملائكةُ يُسبِّحون بحمدِ ربهم﴾ خضوعاً ؛ لِمَا يرون من عظمته، ﴿ويستغفرون لمَن في الأرض﴾ أي : للمؤمنين منهم، خوفاً عليهم من سطواته، ويُوحدون اللهَ وينزهونه عما لا يليق به من الصفات، حامدين له على ما أولاهم من ألطافه، متعجبين لما رأوا من تعرُّض الكفرة لسخط الله تعالى. ويستغفرون لمؤمني أهل الأرض، الذين تبرؤوا من تلك الكلمات، ﴿ألا إِنَّ اللهَ هو الغفورُ الرحيمُ﴾ حيث لا يعاجلهم بالعقوبة على ما وصفوه به مما لا يجوز عليه.
الإشارة : حم عسق، الحاء تُشير إلى حمده لأوليائه، وتنويهه بقدرهم، والميم إلى تمليكهم التصرُّف في حس المُلك، وأسرار الملكوت، والعين إلى علو رتبتهم، أو إلى
٣٥٨