علومهم اللدنية، والسين إلى سيادتهم وسَنَا نورهم وسرهم، والقاف إلى قُربهم وتقريبهم حتى يمتحق وجودهم في وجود محبوبهم، فيمتحي القرب من شدة القرب، وبذلك صاروا مقربين. والوحي ينقسم إلى أربعة أقسام ؛ وحي أحكام، ووحي منام، ووحي إلهام، ووحي إعلام، فاختصت الأنبياء بالأول، وشاركتهم الأولياء في الثلاثة. ووحي إعلام هو إطّلاعهم على بعض المغيبات.
وقوله تعالى :﴿يكاد السماوات يَتَفَطَّرن﴾ أي : يتشققن من هيبته تعالى وكبريائه. وذلك لما لطُف حسها أدركت هيبة معاني أسرار الذات، وكذلك الأرواح ؛ إذا لطفت ورقّ حسن بشريتها أدركت عظمة الحق وجلاله وجماله، وإذا كثفت بشريتها، بمباشرة الحس واتباع الهوى، غلظ حجابها، فبعدت عن حضرة الحق في حال قربها. وقوله تعالى :﴿ويستغفرون لمَن في الأرض﴾، انظر جلالة قدر هذا الآدمي، حتى سخَّر الله له الملائكة الكرام يستغفرون له، ويسعون في مصالحه، فاستحِي من الله أيها العبد، إن كان لك عقل وتمييز.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٥٧
قلت :﴿وكذلك﴾ : الكاف في محل النصب على المصدر، و ﴿قرآناً﴾ : مفعول " أوحينا ".
يقول الحق جلّ جلاله :﴿والذين اتخذوا من دونه أولياء﴾ ؛ شركاء، يُوالونهم بالعبادة والمحبة ﴿اللهُ حفيظ عليهم﴾ : رقيب على أحوالهم وأعمالهم، فيجازيهم بها، ﴿وما أنت عليهم بوكيلٍ﴾ ؛ بموكّل عليهم، تجبرهم على الإيمان، ثم نسخ بالجهاد. أو : ما أنت بموكول إليك أمرهم، وإنما وظيفتك الإنذار بما أوحينا إليك.
﴿وكذلك أوحينا إِليك قرآناً عربيّاً﴾ أي : ومثل ذلك الإيحاء البديع الواضح أوحينا إليك قرآناً عربيّاً، لا لبس فيه عليك ولا على قومك، ﴿لِتُنذِر أُمَّ الْقُرَى﴾ أي : أهلها، وهي مكة ؛ لأن الأرض دحيت من تحتها، أو : لأنها أشرف البقع، ﴿و﴾ تُنذر ﴿مَنْ حولها﴾ من العرب أو من سائر البلاد. قال القشيري : وجميعُ العالَم مُحْدِقٌ بالكعبة ؛ لأنها سُرَّةُ الأرضِ. هـ.
٣٥٩


الصفحة التالية
Icon