﴿وتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ﴾ ؛ يوم القيامة ؛ لأنه تجمع فيه الخلائق، وفيه تجمع الأرواح والأشباح. وحذف المفعول الثاني من " تُنذر " الأول للتهويل، أي : لتنذر الناس أمراً فظيعاً تضيق عنه العبارة، ﴿لا ريبَ فيه﴾ ؛ لا شك في وقوع ذلك اليوم، ﴿فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير﴾ أي : بعد جمعهم في الموقف يفترقون، فريق يُصرف إلى الجنة، وفريق إلى السعير بعد الحساب، والتقدير : فريق منهم في الجنة. والجملة : حال، أي : وتنذر يوم الجمع متفرقين.
﴿ولو شاء اللهُ لجعلهم﴾ في الدنيا ﴿أمة واحدة﴾ إما مهتدين كلّهم، أو ضالين، ﴿ولكن يُدْخِلُ مَن يشاء في رحمته﴾ أي : ويُدخل مَن يشاء في عذابه، يدلّ عليه ما بعده، ومن ضرورة اختلاف الرحمة والعذاب : اختلاف الداخلين فيهما، فلم يشأ جعل الكل أمة واحدة، بل جعلهم فريقين، فيسَّر كلاًّ لمَن خُلق له. ﴿والظالمون ما لهم من وَليٍّ ولا نصير﴾ ؛ والكافرون ما لهم من شافع ولا دافع.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٥٩
قال أبو السعود : والذي يقتضيه سياق النظم أن يُراد بقوله :﴿أمة واحدة﴾ الاتحاد في الكفر، كما في قوله تعالى :﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً...﴾ [البقرة : ٢١٣] الآية، على أحد الوجهين، بأن يُراد بهم الذين هم في فترة إدريس، أو فترة نوح. ولو شاء لجعلهم أمة واحدة متفقة على الكفر، بأن لا يُرسل إليهم رسولاً ليُنذرهم ما ذكر من يوم الجمع، وما فيه من ألوان الأهوال، فيبقوا على ما هم عليه من الكفر، ولكن يُدخل مَن يشاء في رحمته إن شاء ذلك، فيُرسل إلى الكل مَن ينذرهم، فيتأثر بعضهم بالإنذار ؛ فيعرفون الحق ؛ فيوفقهم الله تعالى للإيمان والطاعة، ويُدخلهم في رحمته، ولا يتأثر به الآخرون، ويتمادى في غيهم، وهم الظالمون، فيبقون في الدنيا على ما هم عليه، ويصيرون في الآخرة إلى السعير، من غير وليٍّ يلي أمرهم، ولا نصيرٍ يُخلصهم من العذاب. هـ.


الصفحة التالية
Icon