وقوله تعالى :﴿فاللهُ هو الوليُّ﴾ تحويش إلى التوجُّه إلى الله، ورفض كل ما سواه، كما قال بعضهم : اتخذ الله صاحباً، ودع الناس جانباً، فكل مَن والى غيرَ الله تعالى خذله، ومن حُبه أبعده.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٥٩
يقول الحق جلّ جلاله :﴿وما اختلفتمْ فيه من شيءٍ فحُكمه إِلى الله﴾، حكاية لقول رسول الله ﷺ للمؤمنين، بدليل قوله :﴿ذلكم اللهُ ربي﴾ أي : ما خالفكم الكفار فيه من أهل الكتاب والمشركين، من أمور الدين، واختلفتم أنتم وهم، فحُكم ذلك المختلف فيه راجع إلى الله، ومُفوض إليه، وهو إثابةُ المحقّين فيه، ومعاقبة المبطلين. والمختار العموم، أي : وما اختلفتم فيه أيها الناس من أمور الدين، سواء رجع ذلك الاختلاف إلى الأصول أو الفروع، فحُكم ذلك إلى الله، وقد قال في آية أخرى :﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء : ٥٩].
فكل ما اختلف فيه يُردّ إلى كتاب الله، ثم إلى سنّة رسول الله، ثم إلى الإجماع، ثم القياس، فهذه هي قواعد الشريعة، وعليها بُنيت الأحكام، فمَن خرج عنها فهو مبطل، ففي كتاب الله، وسنّة رسوله ﷺ من علم الأصول والفروع ما فيه غُنية، فإن لم يوجد نص فالإجماع أو القياس.
وقيل : ما اختلفتم فيه من العلوم، التي لا تتصل بتكليفكم، ولا طريق لكم إلى علمه، فقولوا : الله أعلم.
٣٦١
ثم قال :﴿ذلكم اللهُ ربي﴾ أي : ذلكم العظيم الشأن ؛ الله مالكي ومدبر أمري، ﴿عليه توكلتُ﴾ في جميع أموري، لا على غيره، ﴿وإِليه أُنيبُ﴾ ؛ أرجع في كل ما يعرض لي، لا إلى أحد سواه. وحيث كان التوكُّل أمراً واحداً مستمراً، والإنابة متعددة، متجددة بحسب تجدُّد مؤداها، أُوثر في الأول صيغة الماضي، والثاني صيغة المضارع.