﴿فاطرُ السماواتِ والأرضِ﴾ ؛ خالقهما ومظهرهما، وهو خبر ثان لذلكم، أو عن مضمر، ﴿جعل لكم من أنفسكم﴾ ؛ من جنسكم ﴿أزواجاً﴾ ؛ نساء ﴿ومن الأنعام أزواجاً﴾ أي : وجعل للأنعام من جنسها أزواجاً، أو : خلق لكم من الأنعام أصنافاً ؛ ذكوراً وإناثاً، ﴿يذرؤكم فيه﴾ أي : يكثّركم فيما ذكر من التدبير البديع، من : الذرء، وهو البث، فجعل الناس والأنعام أزواجاً، حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل، واختير لفظ " فيه " على " به " ؛ لأنه جَعَل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير. والضمير في " يذرؤكم " يرجع إلى المخاطَبين والأنعام، مغلباً فيه المخاطبون العقلاء على غيرهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٦١
وقال الهروي :﴿يذرؤكم فيه﴾ أي : يكثّركم بالتزويج، كأنه قال : يذرؤكم به. هـ. وقال ابن عطية : لفظة " ذرأ " تزيد على لفظة " خلق " معنى آخر، ليس في خلق، وهو توالي طبقاته على مرّ الزمان، وقوله :" فيه " الضمير عائد على الجعل. وقال القتبي : الضمير للتزويج. هـ.
﴿ليس كمثله شيءٌ﴾ أي : ليس مثله شيء في شأن من الشؤون، التي من جملتها هذا التدبير البديع. قيل : إن كلمة التشبيه كررت لتأكيد نفي التماثل ؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة. قال ابن عطية : الكاف مؤكدة للتشبيه، فنفي التشبيه أوكد ما يكون، وذلك أنك تقول : زيد كعمرو، وزيد مثل عمر، فإذا أردت المبالغة التامة قلت : زيد كمثل عمرو، وجرت الآية في هذا الموضع على عرف كلام العرب، وعلى هذا المعنى شواهد كثيرة. هـ.
قال النسفي : وقيل : المثل زائد، والتقدير : ليس كهو شيء، كقوله تعالى :﴿فَإِنْ ءَامَنُواْ بِمِثْلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِ﴾ [البقرة : ١٣٧]، وهذا لأن المراد نفي المثليّة، وإذا لم نجعل الكاف أو المثل زيادة كان إثبات المثل. هـ. والجواب ما تقدّم لابن عطية.


الصفحة التالية
Icon