جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٦٤
ثم فسَّر ما وصاهم به فقال :﴿أنْ أقيموا الدينَ﴾ أي : دين الإسلام، الذي هو توحيد الله تعالى، وطاعته، والإيمان بكتبه ورسله، وبيوم الجزاء، وسائر أركان الإيمان. والمراد بإقامته : تعليل أركانه، وحفظه من أن يقع فيه زيغ، والمواظبة عليه، والتشمير في القيام به. وموضع " أن أقيموا " إما : نصب، بدل من مفعول " شرع "، أو : رفع، خبر جواب عن
٣٦٤
سؤال مقدَّر، كأن قائلاً قال : وما ذاك ؟ فقال : هو إقامة الدين. ﴿ولا تتفرقوا فيه﴾ ؛ ولا تختلفوا في الدين، فالجماعة رحمة، والفرقة عذاب، والمراد : الاختلاف في الأصول، دون الفروع المختلفة حسب اختلاف الأمم باختلاف الأعصار، كما ينطق به قوله تعالى :﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ [المائدة : ٤٨].
﴿كَبُرَ على المشركين﴾ أي : عظم وشقّ عليهم ﴿ما تدعوهم إِليه﴾ من التوحيد، ورفض عبادة الأصنام، الذي هو إقامة الدين، ﴿اللهُ يجتبي﴾ أي : يجلب ويجمع ﴿إِليه مَن يشاء﴾ بالتوفيق والتسديد، ﴿ويهدي إِليه مَن يُنيبُ﴾ ؛ يُقبل على طاعته. فالاجتباء يرجع إلى تصديق القلب، والإنابة إلى توفيق الطاعة في الظاهر.
﴿وما تَفرقوا﴾ أي : أهل الكتاب من بعد أنبيائهم ﴿إِلا مِن بعد ما جاءهم العلمُ﴾ ؛ إلا بعد أن علموا أن الفُرقة ضلال، وأمر متوعّد عليه على ألسنة الرسل، ﴿بغياً بينهم﴾ حسداً، وطلباً للرئاسة، والاستطالة بغير حق، أو : ما تفرّقوا في الدين الذي دُعوا إليه، وهو الإسلام، ولم يؤمنوا كما آمن بعضهم إلا مِن بعد ما جاءهم العلم بحقيقته ؛ لما يشهدونه في رسول الله ﷺ والقرآن من دلائل الحقيّة، حسبما وجدوه في كتبهم، أو : العلم بمبعثه صلى الله عليه وسلم.