جذب، والإنابة سلوك، الاجتباء للحقيقة، والإنابة للشريعة والطريقة. وقدّم الاجتباء على الاهتداء اهتماماً بأمره ؛ لأن الجذب عناية يختص به أهل الولاية، والإنابة هداية ينالها كل مَن تمسّك بالشريعة. وحقيقة الجذب : شهود الخلق بلا خلق، وحقيقة السلوك المحض : شهود الخلق بلا حق، وحقيقة الجذب في السلوك : شهود الحق في قوالب الخلق، أو : شهود الخلق في مظهر الحق.
فالناس ثلاثة : مجذوبون فقط، سالكون فقط، مجذبون سالكون، فالأولان لا يصلحان للتربية، والثالث هو الذي يصلح للتربية، وهو الذي يتقدمه السلوك، ثم يختطف إلى الحضرة في مقام الفناء، ثم يرجع إلى السلوك في مقام البقاء. وما وقع من التفرُّق والاختلاف في جانب النبوة، يقع في جانب الولاية، سُنَّة ماضية، فيجب على الداعي إلى الله أن يجهد نفسه في الدعاء إليه، ولا يبالي باختلافهم
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٦٤
يقول الحق جلّ جلاله :﴿فلذلك فادْعُ﴾ أي : فلأجل ذلك التفرُّق، ولما حدث بسببه من تشعُّب الكفر شعباً، فادع إلى الاتفاق والائتلاف على الملّة الحنيفيّة القيّمة، ﴿واستقِمْ﴾ عليها، وعلى الدعوة إليها ﴿كما أُمرتَ﴾ ؛ كما أمرك الله. أو : لأجل ما شرع لكم من الدين القويم القديم، الحقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون، فادع الناس كافة إلى إقامته، والعمل بموجبه ؛ فإن كلاًّ من تفرقهم وشكِّهم، سبب للدعوة إليه والأمر بها، أو : فإلى ذلك الدين المشروع فادع، واستقم عليه، وعلى الدعوة إليه، كما أُمرت وأوحي إليك.


الصفحة التالية
Icon