الإشارة : الميزان هو العقل ؛ إذ به تعرف الأشياء ومقاديرها، نافعها وضارها. فالعقول متفاوتة كالموازين، فبعض الموازين لرقته لا يُوزن فيها إلا الشيء الرفيع، كالذهب، والإكسير، والفضة، والطيب الرفيع، وبعضها يصلح لوزن الأشياء اللطيفة، دون الخشينة، كميزان العطار وشبهه، وبعضها يصلح للأشياء الخشينة المتوسطة، كميزان الغزالين والحاكة، وبعضها لا يصلح إلا للخشين، كالفحم وشبه، وبعضها لا يصلح إلا للخشين الكثير، كالذي يُوزن به القناطير من الشيء الخشين، فالأول عقول العارفين، لا يوزن فيها إلا أنوار التوحيد وأسرار التفريد، لا يصلح لغيرها، والثاني للعباد، والزهّاد، والعلماء الصالحين، والثالث للمتجمدين من العلماء، والرابع لعامة المؤمنين، والخامس للفجار والكفار، وفيهم نزل :﴿يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها...﴾ الآية، وما قبله هو قوله :﴿والذين آمنوا مشفقون منها﴾.
وقوله تعالى :﴿اللهُ لطيف بعباده﴾، اعلم أن لطفه سبحانه بعباده لا ينحصر ولا ينفك عنه مخلوق، مَن ظنَّ انفكاك لطف الله عن قدره فذلك لقصور نظره، فمِن لطفه سبحانه بخلقه : أنه أعطاهم فوق الكفاية، وكلَّفهم دون الطاقة. ومِن لطفه سبحانه : تسهيله الأرزاق، وتيسير الارتفاق، فلو تفكّر الإنسان في اللقمة التي توضع بين يديه، ماذا عمل فيها من العوالم العلوية والسفلية ؛ لتحقق بغاية عجزه، وتيقن بوجود لطفه، وكذا ما يحتاج إليه من مشروب، وملبوس، ومطعوم. ومن لطفه سبحانه : توفيق الطاعات، وتسهيل العبادات، وتيسير الموافقات. ومن لطفه سبحانه : حفظ التوحيد في القلوب، واطلاعها
٣٦٩