عمل بها إلى يوم القيامة ". وقوله تعالى :﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضاتِ الجنات﴾ قال القشيري : في الدنيا جنة الوصلة، ولذاذة الطاعة والعبادة، وطيب الأُنْسِ في أوقات الخلوة، وفي الآخرة في روضات الجنات، إن أرادوا دوامَ اللطفِ دامَ لهم، وإن أرادوا تمامَ الكشف كان لهم. هـ.
ولمَّا كان من شأن المبشر بالخير أن يلتمس الأجر، نزّه نبيه عن ذلك، فقال :
﴿... قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىا وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿قل﴾ يا محمد ﴿لا أسألكم عليه﴾ ؛ على التبليغ ﴿أجراً﴾. رُوي أنه اجتمع المشركون في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض : أترون أن محمداً يسأل على ما يتعاطاه أجراً ؟ فنزلت. أي : لا أسألكم على التبليغ والبشارة أجراً، أي : نفعاً ﴿إِلا المودَة في القربى﴾ ؛ إلا أن تودوا أهل قرابتي، ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعاً، أي : لا أسألكم أجراً قط، ولكن أسألُكم أن تودُّوا قرابتي التي هم قرابتكم، ولا تؤذوهم. ولم يقل : إلا مودّة القربى، أو : المودة للقربى ؛ لأنهم جُعلوا مكاناً للمودة، ومقرّاً لها، مبالغة، كقولك : لي في مال فلان مودة، ولي فيهم حبّ شديد، تريد : أحبهم، وهم مكان حبي ومحله. وليست " في " بصلة للمودة كاللام، إذا قلت : إلا المودة للقربى، وإنما هي متعلقة بمحذوف، تعلُّق الظرف. به والتقدير : إلا المودة ثابتة في القربى، ومتمكنة فيها. والقربى : مصدر، كالزلفى والبشرى، بمعنى القرابة. والمراد : في أهل القربى.


الصفحة التالية
Icon