﴿فإِن يشإِ يختمْ على قلبك﴾، هذا استبعاد للافتراء على مثله ؛ لأنه إنما يجترىء على الله مَن كان مختوماً على قلبه، جاهلاً بربه، أمَّا مَن كان على بصيرة ومعرفة بربه، فلا، وكأنه قال : إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك، لتجترىء بالافتراء عليه، لكنه لم يفعل فلم تفتر. أو : فإن يشأ الله عدم صدور القرآن عنك يختم على قلبك، فلم تقدر أن تنطق بحرف واحد منه، وحيث لم يكن كذلك، بل تواتر الوحي عليك حيناً فحيناً ؛ تبين أنه من عند الله تعالى. وهذا أظهر.
وقال مجاهد : إن يشأ يربط على قلبك بالصبر على أذاهم، وعلى قولهم : افترى على الله كذباً ؛ لئلا تدخله مشقة بتكذيبهم. هـ.
﴿ويَمْحُ اللهُ الباطلَ ويُحِقُّ الحقَّ بكلماته﴾، استئناف مقرر لنفي الافتراء، غير معطوف على " يختم " كما ينبىء عنه إظهار الاسم الجليل، وإنما سقطت الواو ـ كما في بعض المصاحف ـ لاتباع اللفظ، كقوله تعالى :﴿وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ...﴾ [الإسراء : ١١] مع أنها ثابتة في مصحف نافع. قاله النسفي. أي : ومن شأنه تعالى أن يمحق الباطل، ويثبت الحق بوحيه، أو بقضائه، كقوله تعالى :﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ﴾ [الأنبياء : ١٨]، فلو كان افتراء كما زعموا لمحقه ودمغه. أو : يكون عِدةً لرسول الله ﷺ بأنه تعالى يمحو الباطل الذي هم عليه، ويثبت الحق الذي هو عليه ﷺ بالقرآن، أو بقضائه الذي لا مرد له بنصره عليهم، وقد فعل ذلك، فمحا باطلهم، وأظهر الإسلام. ﴿إِنه عليم بذاتِ الصدور﴾ أي : عليم بما في صدرك وصدورهم، فيجري الأمر على حسب ذلك من المحو والإثبات.
٣٧٤
﴿وهو الذي يقبل التوبةَ عن عباده﴾. يقال : قبلت الشيء منه : إذا أخذته منه، وجعلته مبدأ قبولك، وقبلتَه عنه، أي : عزلته وأبنته عنه. والتوبة : الرجوع عن القبيح بالندم، والعزم ألا يعود، ورد المظالم واجب غير شرط.