وقوله تعالى :﴿ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ أي : في كل ما يتمنون، ﴿ويزيدهم من فضله﴾ النظر إلى وجهه، ويتفاوتون فيه على قدر توجههم، ومعرفتهم في الدنيا. وذكر في القوت حديثاً عن رسول الله ﷺ في تفسير قوله تعالى :﴿ويزيدهم من فضله﴾ قال :" يُشفعهم في إخوانهم، فيدخلهم الجنة " هـ. قال القشيري : ويقال : لمَّا ذكر أن التائبين يقبل توبتهم، ومَنْ لم يَتُبْ يعفو عن زلَّته، والمطيع يدخله الجنة، فلعله خطر ببال أحد : فهذه النار لمَن هي ؟ فقال ﴿والكافرون لهم عذاب شديد﴾، ولعله يخطر بالبال أن العصاة لا عذاب لهم، فقال :(شديد) بدليل الخطاب أنه ليس بشديد هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٤
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ولو بَسَطَ اللهُ الرزقَ لعباده﴾ أي : لو أغناهم جميعاً ﴿لَبَغوا في الأرض﴾ أي : لتَكَبروا وأفسدوا فيها، بطراً، ولعلا بعضُهم على بعض بالاستعلاء والاستيلاء، لأن الغِنى مبطرة مفسدة، وكفى بحال قارون وفرعون عبرة. وأصل البغي : تجاوز الاقتصاد عما يجزي من حيث الكمية أو الكيفية. ﴿ولكن يُنَزِّل بِقَدرِ﴾ أي : بتقدير ﴿ما يشاء﴾ أن ينزله، مما تقضيه مشيئته. يقال : قدره وقدّره قدراً وتقديراً ﴿إِنه بعباده خبير
٣٧٦
بصير﴾ ؛ محيط بخفايا أمورهم وجلاياها، فيقدر لكل واحد منهم ما يليق بشأنه، فيُفقر ويُغني، ويُعطى ويَمنع، ويقبض ويبسط، حسبما تقتضيه الحكمة الربانية، ولو أغناهم جميعاً لَبَغوا في الأرض، ولو أفقرهم لهلكوا، وما ترى من البسط على مَن يبغي، ومِن البغي بدون البسط، فهو قليل، ولكن البغي مع الفقر أقلّ، ومع البسط أكثر وأغلب، فالحكمة لا تنافي بغي البعض بدفعه بالبعض الآخر، بخلاف بغي الجميع. ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ...﴾ [الحج : ٤٠] الآية.