جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٨
يقول الحق جلّ جلاله :﴿وما أصابكم من مصيبةٍ﴾ غمّ، أو ألم، أو مكروه ﴿بما كسبتْ أيديكم﴾ أي : بجنايةٍ كسبتموها، عقوبةً لكم. ومَن قرأ بالفاء ؛ فـ " ما " شرطية. ومَن
٣٧٩
قرأ بغيرها فموصلة. وتَعَلقَ بهذه الآية من يقول بالتناسخ، ومعناه عندهم : أن أرواح المتقدمين حين تموت أشباحها تنتقل إلى أشباح أُخر، فإن كانت صالحة انتقلت إلى جسم صالح ؛ وإن كانت خبيثة انتقلت إلى جسم خبيث، وهو باطل وكفر. ووجه التعلُّق : أنه لو لم يكن للأطفال حالة كانوا عليها قبل هذه الحالة لما تألّموا. ويجاب : بأن تألم الأطفال إما زيارة في درجات آبائهم إن عاشوا، أو في درجاتهم إن ماتوا ؛ لأنهم يلحقون بآبائهم في الدرجة، ولا عمل لهم إلا هذا التألُّم. والله أعلم.
والآية مخصوصة بالمكلّفين بدليل السياق وهو قوله :﴿ويعفو عن كثير﴾ أي : من الذنوب فلا يُعاقب عليها، أو : عن كثير من الناس، فلا يعاجلُهم بالعقوبة. وفي الحديث عنه ﷺ :" واللهُ أكرم من أن يُثَنّي عليكم العقوبة في الآخرة، وما عفا عنه فالله أحلم من أن يعود فيه بعد عفوه " وقال ابن عطاء : مَن لم يعلم أنَّ ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه، وأن ما عفا عنه مولاه أكثر، كان قليل النظر في إحسان ربه إليه. وقال محمد بن حامد : العبدُ ملازِمٌ للجنايات في كلّ أوان، وجناياته في طاعته أكثر من جناياته في معاصيه ؛ لأن جناية المعصية من وجه، وجناية الطاعة من وجوه، والله يُطهِّر العبد من جناياته بأنواع من المصائب ليخفّف عنه أثقاله في القيامة، ولولا عفوه ورحمته لهلك في أول خطوة.


الصفحة التالية
Icon