كالجبال الرواسي، لا يهزهم شيء من الواردات ولا غيرها، إن يشأ يُسكن رياح الواردات عن أسرارهم، فيبقين رواكد على ظهر بحر الأحدية، مستغرقين في شهود الذات العلية، أو يُوبقهن بما كسبوا من سوء الأدب، فيغرقن في الزندقة أو الحلول والاتحاد، ويعفُ عن كثير، ويعلم الذين يطعنون في آياتنا الدالة علينا ما لهم من مهرب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨١
يقول الحق جلّ جلاله :﴿فما أُوتيتم من شيءٍ﴾ مما ترجون وتتنافسون فيه ﴿فمتاعُ الحياةِ الدنيا﴾ أي : فهو متاعها، تتمتعون به مدة حياتكم، ثم يفنى، ﴿وما عند الله﴾ من ثواب الآخرة ﴿خيرٌ﴾ ذاتاً ؛ لخلوص نفعه، ﴿وأبقى﴾ زماناً ؛ لدوام بقائه. ﴿للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون﴾، و " ما " الأولى ضُمّنت معنى الشرط، فدخلت في جوابها الفاء، بخلاف الثانية. وعن عليّ رضي الله عنه : أن أبا بكر رضي الله عنه تصدَّق بماله كله، فلامه الناس، فنزلت الآية.
ثم قال تعالى :﴿والذين يجتنبون كبائر الإثم﴾ أي : الكبائر من هذا الجنس. وقرأ الأخوان :" كبير الإثم ". قال ابن عباس : هو الشرك، ﴿و﴾ يجتنبون ﴿الفواحِشَ﴾ وهي ما عظم قُبحها، كالزنى ونحوه، ﴿وإِذا ما غَضِبوا﴾ من أمر دنياهم ﴿هم يغفرون﴾ أي : هم الإخِصَّاء بالغفران في حال الغضب، فيحملون، ويتجاوزون. وفي الحديث :" مَن كظم غيظه في الدنيا ردّ اللهُ عنه غضبَه يوم القيامة ". ﴿والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة﴾ ؛ أتقنوا الصلوات الخمس، ﴿وأمرُهُم شُورى بينهم﴾ أي : ذو شورى، يعني : لا ينفردون برأيهم حتى يجتمعون عليه. وعن الحسن : ما تشاور قوم إلا هُدوا لأرشد أمورهم. والشورى : مصدر، كالفتيا، بمعنى
٣٨٢
التشاور. ﴿ومما رزقناهم يُنفقون﴾ ؛ يتصدقون.


الصفحة التالية
Icon