قال ابن جزي : ويظهر لي أن هذه الآية إشارة إلى ذكر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، لأنه بدأ أولاً بصفات أبي بكر الصدّيق، ثم صفات عُمَر، ثم صفات عثمان، ثم صفات عليّ بن أبي طالب، فأما صفات أبي بكر، فقوله :﴿الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون﴾ وإنما جعلنا هذه صفات أبي بكر، وإن كان جميعهم متصفاً بها، لأن أبا بكر كانت له مزية فيها لم تكن لغيره، قال رسول الله ﷺ :" لو وُزن إيمان أبي بكر بإيمان الأمة لرجح " وقال رسول الله ﷺ :" أنا مدينة الإيمان، وأبو بكر بابها " وقال أبو بكر :" لو كُشف الغطاء ما ازددت يقيناً ". والتوكل إنما يقوى بقوة الإيمان.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٢
وأما صفات عمر : فقوله :﴿والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش﴾ ؛ لأن ذلك هو التقوى، وقد قال رسول الله ﷺ :" أنا مدينة التقوى وعُمَر بابها "، وقوله :﴿وإذا ما غَضبوا هم يغفرون﴾، وقوله :﴿قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجونَ أيام الله﴾ نزلت في عمر. وأما صفات عثمان ؛ فقوله :﴿والذين استجابوا لربهم﴾ ؛ لأن عثمان كان كثير الصلاة بالليل، وفيه نزلت :﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَآءَ اللَّيْلِ سَاجِداً...﴾ [الزمر : ٩] الآية. ورُوي أنه كان يُحيي الليلَ بركعة، يقرأ فيها القرآن كله. وقوله :﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ ؛ لأن عثمان وَلِيَ الخلافة بالشورى، وقوله :﴿ومما رزقناهم يُنفقون﴾ ؛ لأن عثمان كان كثير النفقة في سبيل الله، ويكفيك أنه جهّز جيش العسرة.