الإشارة : قوله تعالى :﴿فما أُوتيتم من شيءٍ فمتاع الحياة الدنيا﴾ أي : وينقصُ من درجاتكم في الآخرة بقدر ما تمتعتم به، كما في الخبر، ولذلك زهَّد فيه بقوله :﴿وما عند الله خيرٌ وأبقى...﴾ الآية، أي : وما عند الله من الثواب الموعود خير من هذا القليل الموجود. ﴿والذين يجتنبون كبائر الإثم﴾ هي أمراض القلوب، كالحسد والكبر والرياء وغيرها، ﴿والفواحش﴾ هي معاصي الجوارح كالزنا وغيره. وقوله تعالى :﴿وإذا ما غَضِبُوا هم يغفرون﴾ لم يقل الحق تعالى : والذين لم يغضبوا ؛ لأن الغضب وصف بشري، لا ينفك عنه مخلوق، فالمطلوب المجاهدة في دفعه، وردّ ما ينشأ عنه، لا زواله من أصله، فعدم وجوده في البشر أصلاً نقص، ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه :" مَن اسْتُغضِب ولم يغضب فهو حمار " فالشرف هو كظمه بعد ظهوره، لا زواله بالكلية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٢
وقوله تعالى :﴿والذين استجابوا لربهم﴾ قال القشيري : المستجيبُ لربه هو الذي لا يبقى له نَفَسٌ إلا على موافقة رضاه، ولا يبقى لهم منه بقية، ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ أي : لا يستبدُّ أحدهم برأي، ويتَّهِمُ رأيَه وأمرَه، ثم إذا أراد القطعَ توكل على الله. هـ.
وحاصل ما اشتملت عليه الآية في رد الغضب : أربع مقامات :
الأول : قوم من شأنهم الغفران مطلقاً، قدروا أو عجزوا، لا يتحركون في الانتصار قط، وهو قوله تعالى :﴿وإِذا ما غَضِبُوا هم يغفرون﴾.
والثاني : قوم قادرون على إنفاذ الغضب، فتحركوا في الانتصار، ثم عفوا بعد الاقتدار، وهذا قوله :﴿والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون﴾، ثم قال :﴿فمَن عفا وأصلح فأجره على الله﴾.
٣٨٥
والثالث : قوم قدروا وانتصروا، وأخذوا حقهم، لكن وقفوا عند ما حدّ لهم، وهو قوله :﴿ولمَن انتصر بعد ظلمه...﴾ الآية.