والرابع : قوم ظُلِموا، فعفوا، وزادوا الإحسان إلى مَن أساء إليهم، والدعاء له بالمغفرة، حتى يصير مرحوماً بهم، وهي رتبة الصدّيقية، أن ينتفع بهم أعداؤهم، وهو قوله تعالى :﴿ولمَن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور﴾، ولذلك جعل الله هذا القسم من عزم الأمور.
وعند الصوفية : ثلاث طبقات : العامة ينتصرون، والخاصة لا ينتصرون، لكن يرفعون أمرهم إلى الله في أخذ حقهم من ظالمهم، وخاصة الخاصة يُحسنون لمَن أساء إليهم، كما تقدّم. وقال القشيري :﴿والذين إذا أصابهم البغي﴾ وهو الظلم، ينتصرون ؛ لعِلمهم أن الظلمَ أصابهم من قِبَلِ أنفسهم، فينتصرون من الظالم، وهو النفس، ويكبحون عنانها من الركض في ميدان المخالفة. ثم قال : قوله :﴿ولمَن انتصر...﴾ الآية، عَلِمَ اللهُ أنَّ من عباده مَن لا يجد الحرية من أحكام النَّفْس، ولا يستمكن من محاسن الخُلق، فرخَّص لهم في المكافأة على سبيل العدل والقسط، وإن كان الأوْلى بهم الصفح والعفو. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٢
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ومَن يُضْلِل اللهُ فَما له من وليٍّ من بعده﴾ أي : فما له من أحد يلي هدايته من بعد إضلال الله إياه، ويمنعه من عذابه. ﴿وترى الظالمين﴾ يوم القيامة، وهم الذين أضلّهم الله، ﴿لَمَّا رَأَوا العذاب﴾ ؛ حين يرون العذاب، وأتى بصيغة الماضي للدلالة على تحقيق الوقوع، ﴿يقولون هل إِلى مَرَدٍّ﴾ ؛ رجعة إلى الدنيا ﴿من سبيل﴾ حتى نُؤمن ونعمل صالحاً.
﴿وتراهم يُعرضون عليها﴾ ؛ على النار، يدلّ عليها ذكر العذاب. والخطاب لكل مَن
٣٨٦