﴿وكذلك﴾ أي : ومثل ذلك الإيحاء البديع كما وصفنا ﴿أوحينا إِليك روحاً من أمرنا﴾ وهو القرآن، الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان، فحييت الحياة الأبدية. ﴿ما كنت تدري﴾ قبل الوحي ﴿ما الكتابُ﴾ أيّ شيء هو، ﴿ولا الإِيمانُ﴾ بما في تضاعيف الكتاب من الأمور التي لا تهتدي إليها العقول، لا الإيمان بما يستقل به العقل والنظر، فإنَّ دِرايتَه ﷺ مما لا ريب فيه قطعاً. قال القشيري : ما كنت تدري قبل هذا ما القرآن ولا الإيمان بتفصيل هذه الشرائع. وقال الشيخ البكري : أي الإيمان على الوجه الأخص، المرتب على تنزلات الآيات، وتلاوة البينات، واستكشاف وجه الحق بأنوار العلم المنزل على قلبه من حضرة ربه. هـ.
وقال ابن المنير : الإيمان برسالة نفسه، وهو المنفي عنه قبل الوحي ؛ لأن حقيقة الإيمان : التصديق بالله وبرسوله. هـ.
﴿ولكن جعلناه﴾ أي : الروح الذي أوحيناه إليك ﴿نوراً نهدي به مَن نشاء﴾ هدايته ﴿من عبادنا﴾، وهو الذي يصرف اختياره نحو الاهتداء به. ﴿وإِنك لتهدي﴾ بذلك النور مَن نشاء هدايته، أو : وإنك لتدعو ﴿إِلى صراط مستقيم﴾ هو الإسلام وسائر الشرائع والأحكام، ﴿صراطِ الله﴾ ؛ بدل من الأول، وإضافته إلى الاسم الجليل، ثم وصفه بقوله تعالى :﴿الذي له ما في السماوات وما في الأرض﴾ لتفخيم شأنه، وتقرير استقامته، وتأكيد وجوب سلوكه ؛ فإن كون جميع ما فيهما من الموجودات له تعالى، خلقاً، وملكاً، وتصرفاً، مما يُوجب ذلك أتم الإيجاب. ﴿ألا إِلى الله تصير الأمورُ﴾ أي : الأمور قاطبة راجعة إليه، لا إلى غيره، فيتصرّف فيها على وِفق حكمته ومشيئته.
الإشارة : قد تحصل للأولياء المكالمة مع الحق تعالى بواسطة تجلياته، فيسمعون خطابه تعالى من البشر والحجر، أو بلا واسطة، بحيث يسمعون الكلام من الفضاء، وإليه أشار الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه بقوله :" وهب لنا مشاهدةً تصحبها مكالمة "، ولا
٣٩٠


الصفحة التالية
Icon