يقول الحق جلّ جلاله :﴿أم حَسِبَ الذين اجْتَرحوا﴾ اكتسبوا ﴿السيئات﴾ من الكفر والمعاصي، وسميت الأعضاء جوارح ؛ لاكتسابها الخير والشر، ويقال : فلان جارحة أهله ؛ أي : كاسبهم، أي : أظنُّوا أن نصيِّرهم ﴿كالذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ وهم فيما هم فيه من محاسن الأعمال، ونعاملهم معاملتهم في رفع الدرجات، أي : حتى يكونوا ﴿سواءً﴾ في ﴿محياهم ومماتهم﴾ كلاَّ، بل نجعل أهل الإيمان في محياهم ومماتهم متنعمين بطاعة مولاهم، مطمئنين به، يَحيون حياة طيبة، ويموتون موتة حسنة، وفي مماتهم مكرمين بلقاء مولاهم، في روح وريحان، وجنات نعيم، ونجعل أهل الكفر والعصيان في محياهم في ذُلّ المعصية، وكد الحرص وكدر العيش، وفي الممات في ضيق العذاب الخالد، ﴿ساء ما يحكمون﴾ أي : ساء حكمهم هذا، أو : بئس شيئاً حكموا به.
قال النسفي : والمعنى إنكار أن يستوي المسيئون والمحسنون محياً ومماتاً ؛ لافتراق أحوالهم أحياء، حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات، وأولئك على اقتراف السيئات، ومماتاً حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والكرامة، وأولئك على اليأس من الرحمة والندامة. وقيل : معناه : إنكار أن يستووا في الممات، كما استووا في الحياة في الرزق والصحة. ساء ما يحكمون، فليس مَن أُقْعِدَ على بساط الموافقة، كمَن أُبعد في مقام المخالفة، بل تفرّق بينهم، فنعلي المؤمنين، ونخزي الكافرين. هـ.
وسبب نزول الآية : افتخار وقع للكفار على المؤمنين، قالوا : لئن كانت آخرة كما تزعمون لنفضلن فيها كما فضلنا في الدنيا، فردّ الله عليهم، وأبطل أمنيتهم.


الصفحة التالية
Icon