﴿وخلق اللّهُ السماوات والأرض بالحق﴾ لتدل على قدرته على البعث وغيره، قال البيضاوي : كأنه دليل على الحُكم السابق، من حيث إن خلق ذلك بالحق المقتضي للعدل، يقتضي انتصار المظلوم من الظالم، والتفاوت بين المحسن والمسيء، إذا لم يكن في المحيا كان بعد الممات. هـ. ﴿ولتُجزى كلُّ نفسٍ بما كَسَبَتْ﴾ عطف على هذه العلة المحذوفة، أي : لتدل ولتُجزى، أو على " بالحق " لأن فيه معنى التعليل ؛ إذ معناه : خلقها مقرونة بالحكمة والصواب، دون العبث ولتُجزى... الخ، أو : ليعدل وتُجزى كل نفس بما كسبت، ﴿وهم﴾ أي : النفوس، المدلول عليها بكل نفس ﴿لا يُظلمون﴾ بنقص الثواب أو زيادة عقاب.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٩
الإشارة : أم حَسِبَ الذين ماتوا على دنس الإصرار، أن نجعلهم كالمطهرين الأبرار أم حسب الذين عاشوا في البطالة والتقصير أن نجعلهم كالذين
٧٠
عاشوا في الجد والتشمير ؟ " أم حَسِبَ الذين عاشوا في غم الحجاب، وصاروا إلى سوء الحساب، أن نجعلهم كالذين تهذّبوا حتى ارتفع عنهم الحجاب، وصاروا إلى غاية الكرامة والاقتراب ؟ لا استواء بينهم في المحيا ولا في الممات، الأولون عاشوا معيشة ضنكاً، وصاروا بعد الموت إلى الندامة والحسرة، والآخرون عاشوا عيشة راضية، وماتوا موتة طيبة، وصاروا إلى كرامة أبدية، ولهذا بكت الأكابرُ عند قراءتها، فَرُويَ عن تميم الداري : أنه كان يُصلي ليلة عند المقام، فبلغ هذه الآية، فجعل يبكي ويرددها إلى الصباح. وعن الفُضيل : أنه بلغها، فجعل يبكي، ويقول : يا فضيل! ليت شعري من أيّ الفريقين أنت ؟ وعن الربيع بن خيثم : أنه قام يصلي ليلة، فمرّ بهذه الآية، فمكث ليلةً حتى أصبح يبكي بكاءً شديداً، وكانت تُسمى مَبْكاة العابدين.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٩


الصفحة التالية
Icon