هذا، وللآية إشارة أخرى، رُويت عن بعض مشايخنا، قال : يمكن أن تكون الآية مدحاً، يقول تعالى :﴿أفرأيت من اتخذ إلهه﴾ وهو الله تعالى، ومحبوبَه وهواه، لا يهوى معه غيره، وأضله الله، في محبته، على علم منه بالله، وختم على سمعه وقلبه وبمحبته، فلا يسمع إلا منه، ولا يُحب غيره، وجعل على بصره غشاوة، فلا يرى سواه، فمَن يهديه هذه الهداية العظمى من بعد الله، وهذا يُسلّم في طريق الإشارة، لأنها خارجة عن سياق العبارة، وللقرآن أسرار باطنة، يعرفها أهل الباطن فقط، فسلِّم تَسْلَمْ.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٧١
يقول الحق جلّ جلاله :﴿وقالوا﴾ من غاية غيهم وضلالهم :﴿ما هيَ﴾ أي : ما الحياة ؛ لأنهم وُعِدُوا حياة ثانية، ﴿إِلا حياتُنا الدنيا﴾ التي نحن فيها، ﴿نموت ونحيا﴾ أي : يُصيبنا الموت والحياة فيها، وليس وراء ذلك حياة، أو : نموت بأنفسنا ونحيا ببقاء أولادنا، أو : يموت بعض ويحيا بعض، أو : نكون مواتاً نطفاً في الأصلاب، ونحيا بعد ذلك. وقيل : هذا كلام مَن يقول بالتناسخ، فإنه عقيدة أكثر عبدة الأوثان، أي : يموت الرجل، ثم تجعل روحه في شبح آخر، فيحيا به، وهو باطل عند أهل الإسلام، ثم قالوا :﴿وما يُهكنا إِلا الدهرُ﴾ إلا مرور الزمان وهو في الأصل : مدة بقاء العالم، من : دهَرهُ : إذا غَلَبه، وكانوا يزعمون أن مرور الزمان بالليالي والأيام هو المؤثِّر في هلاك الأنفس، وينكرون ملك الموت، وقبضه الأرواحَ بأمر الله تعالى، وكانوا يُضيفون كلَّ حادثة تحدثُ إلى الدهر والزمان، كما قال شاعرهم :
أَشَابَ الصغيرَ وأفنى الكبيرَ
كَرُّ الغداة ومرُّ العشيِّ
ومنه قول تُبع الأكبر، أو غيره :
منع البقاءَ تَغرُّبُ الشمس
وطلوعها من حيث لا تمسي
٧٤
وطلوعُها بيضاءَ صافيةً
وغروبُها صفراءَ كالورْسِ
تجري على كبِد السماء كما
يجري حِمام الموت بالنفْسِ
اليومَ أعلم ما يجيء به
ومضى بفصل قضائه أمسِ


الصفحة التالية
Icon