فإن كان تُبَّعاً المتقدم ؛ فنسبة الفعل إلى الدهر مجاز، كما سيأتي، وعقيدة الموحدين ألاَّ فاعل إلا الله، فالدهر مُسخّر بأمر الله وقدرته، بل هو من أسرار الله وأنوار صفاته، ولذلك قال ﷺ :" لا تسبُّوا الدهر، فإن الله هو الدهر " وقال ﷺ :" قال الله تعال : يُؤذيني ابنُ آدم، يَسُبُّ الدَّهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أُقلّب الليلَ والنهارَ " فالأمور كلها بيد الله، والدهر إنما هو مظهر لعجائب القدرةن كما قال أبو علي الثقفي رضي الله عنه :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٧٤
يا عاتبَ الدهر إذا نابَه
لا تَلُمِ الدهرَ على غَدْرِهِ
الدهرُ مأمورٌ له آمر
قد انتهى الدهر إلى أمره
كم كافر أمواله جَمَّةٌ
تزداد أضعافاً على كفرِهِ ؟
ومؤمنٍ ليس له دِرهمٌ
يزداد إيماناً على فقرهِ ؟
وقد ينسب أهل التوحيد الفعلَ إلى الدهر مجازاً، تغزُّلاً، في أشعارهم، كما قال عبد الملك بن مروان، حين ضعف حالُه :
فاستأثر الدهر الغداة بهم
والدهر يرميني وما أَرْمي
يا دهر قد أكثرت فَجعتنا
بِسَراتنا وقرت في العَظْمِ
وتركتنا لحماً على وَضَمٍ
لو كنت تستبقي من اللحم!!
وسلبتنا ما لستَ تُعقبنا
يا دهرُ ما أنصفتَ في الحُكمِ!!
قال تعالى :﴿وما لهم بذلك من علم﴾ أي : ليس لهم بما ذكر من اقتصار الحياة على ما في الدنيا، وإسناد التأثير إلى الدهر، ﴿من علم﴾ يستند إلى عقل ولا نقل، ﴿إِن هم إِلا يظنون﴾ ما هم إلا قوم قصارى أمرهم الظن والتقليد، هذا معتقدهم الفاسد في أنفسهم. ﴿وإِذا تُتلى عليهم آياتنا﴾ الناطقة بالحق، الذي من جملته البعث، ﴿بيناتٍ﴾ واضحات الدلالة على ما نطقت به، أو مبينات له، ﴿ما كان حُجَّتَهم﴾ ما كان متمسكاً لهم شيء من الأشياء، ﴿إِلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إِن كنتم صادقين﴾ في أنَّا نُبعث بعد الموت أي : لا شبهة لهم إلا هذا القول الباطل، الذي يستحيل أن يكون من قبيل الحُجة، أي :
٧٥


الصفحة التالية
Icon