يقول الحق جلّ جلاله :﴿قل الله يُحييكم﴾ في الدنيا ﴿ثم يُميتكم﴾ عند انقضاء أعماركم، لا كما تزعمون من أنكم تحيون وتموتون بحكم الدهر، ﴿ثم يجمعكم﴾ بعد الموت ﴿إِلى يوم القيامة﴾ للجزاء، ﴿لا ريبَ فيه﴾ أي : في جمعكم ؛ فإنّ مَن قدر على البدء قدر على الإعادة، والحكمة اقتضت الجمع للجزاء لا محالة، وتأخيره ليوم معلوم، والردّ لآبائهم كما اقترحوا، حيث كان مزاحماً للحكمة التشريعية، امتنع إيقاعه لرفع الإيمان بالغيب حينئذ، ﴿ولكنَّ أكثرَ الناس لا يعلمون﴾ قدرة الله على البعث، وحكمة إمهاله، لإعراضهم عن التفكُّر بالانهماك في الغفلة، وهو استدراك من قوله :﴿لا ريب﴾ إما من تمام الكلام المأمور به، أو مستأنف من جهته تعالى، تحقيقاً للحق، وتنبيهاً على أن
٧٦
ارتيابهم إنما هو لجهلهم وتقصيرهم في التفكُّر والنظر، لا لأن فيه شائبة ريبٍ ما.
﴿ولله ملكُ السماوات والأرض﴾ أي : له التصرُّف فيما وفيما بينهما، وهو بيان لاختصاص الملك المطلق بالله، إثر بيان تصرفه تعالى في الناس بالإحياء والإماتة، والبعث والجمع والجزاء، وكأنه دليل لِما قبله، ﴿ويوم تقوم الساعةُ يومئذ يَخْسَرُ المبطلون﴾ الداخلون في الباطل، وهو الكفر، ﴿وترى كُلَّ أمةٍ﴾ من الأمم المجموعة ﴿جاثيةً﴾ باركة على الركب، مستوفزة من هول ذلك اليوم، يقال : جثا فلان يجثو : إذا جلس على ركبتيه، قال سلمان رضي الله عنه : في القيامة ساعة هي عشر سنين، يخرّ الناسُ فيها جثاةً على ركبهم، حتى إن إبراهيم ينادي : نفسي نفسي. هـ. ورُوي : أن جهنم حين يؤمر بها أن تُساق إلى الموقف، تنفلت من أيدي الزبانية، حتى تهم أن تأتي على أهل الموقف جميعاً، وتزفر زفرة تذهب بحاسة الآذان، فيجثو الكل على الركب، حتى المرسلين، وكل واحد يقول : نفسي نفسي، لا أسألك اليوم غيرها، ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول :" أمتي أمتي " نقله الغزالي، وعن ابن عباس : جاثية، مجتمعة، وقيل : جماعات، من : الجثوة، وهي الجماعة.


الصفحة التالية
Icon