يقول الحق جلّ جلاله :﴿قل﴾ يا محمد، توبيخاً وتبكيتاً لهم :﴿أرأيتم﴾ أخبروني ﴿ماتَدْعون من دون الله﴾ ما تعبدون من الأصنام من دون الله، ﴿أَرُونِي ماذا خلقوا من الأرض﴾ أيّ شيء خَلقوا في الأرض إن كانوا آلهة ؟ ﴿أم لهم شِرْكٌ في السماوات﴾ أي : أم لهم شركة مع الله في خلق السموات، حتى يتوهم أن تكون لهم شائبة استحقاق للعبادة ؟ فإنَّ مَن لا مدخل له في شيء من الأشياء، بوجه من الوجوه، بمعزل من ذلك الاستحقاق بأسره، وإن كان من الأحياء العقلاء، فما ظنك بالجماد ؟ ﴿ائتُوني بكتابٍ مِن قبل هذا﴾ أي : من قبل القرآن، يعني : أن هذا الكتاب ناطق بالتوحيد، وإبطال الشرك، وما من كتاب أنزل مِن قَبله من كتب الله إلا وهو ناطق بمثل ذلك، فأتوا بكتاب واحد مُنزل مِن قبله، شاهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير الله، ﴿أو أثَارةٍ من عِلم﴾ أو بقيةٍ من علم بقيت عندكم من علوم الأقدمين، شاهدة باستحقاق الأصنام للعبادة، ﴿إِن كنتم صادقين﴾ في أن الله أمركم بعبادة الأوثان، فإن الدعوى لا تصح ما لم يقم عليها برهان عقلي، ولا سلطان نقلي، وحيث لم يقم عليها شيء، بل قامت على خلافها أدلةُ العقل والنقل تبين بطلانها.
٨٢
﴿ومَن أضلُّ﴾ أي : لا أحد أشد ضلالاً ﴿ممن يدعو مِن دون الله مَن لا يستجيبُ له إِلى يوم القيامة﴾ غاية لنفي الإجابة، ﴿وهم عن دعائهم غافلون﴾ لأنهم جمادات لا يسمعون.
﴿وإِذا حُشر الناسُ﴾ عند قيام الساعة ﴿كانوا لهم أعداءً﴾ أي : الأصنام لعَبَدَتِهَا، ﴿وكانوا﴾ أي : الأصنام ﴿بعبادتهم كافرين﴾ جاحدين، يقولون : ما دعوناهم إلى عبادتنا، والحاصل : أنهم في الدنيا لا ينفعونهم، وفي الآخرة يتبرؤون منهم، ويكونون عليهم ضِداً، ولَمَّا أسند إليهم ما يُسند إلى العقلاء من الاستجابة والغفلة ؛ عبَّر عنهم بـ " من " و " هم "، ووصفُهم بترك الاستجابة تهكماً بها وبعبدَتِها. والله تعالى أعلم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٢


الصفحة التالية
Icon