ثم قال :﴿إِن أتبعُ إِلا ما يُوحَى إِليَّ﴾ أي : ما أفعل إلا الاتباع، على معنى : قصر أفعاله ﷺ على اتباع الوحي، لا قصر اتباعه على الوحي، كما هو المتبادر، وهو جواب عن اقتراحهم الإخبار بالغيوب، أو عن استعجال المسلمين أن يتخلّصوا من إذاية المشركين، والأول هو الأوفق بقوله :﴿وما أنا إِلا نذير مبين﴾ أُنذركم عقاب الله تعالى حسبنا يُوحى إليّ من الإنذار بالمعجزات الباهرة. ﴿قل أرأيتم إِن كان﴾ ما يوحى إليّ من القرآن ﴿مِن عند الله﴾ لا بسحر ولا مفترى كما تزعمون ﴿و﴾ قد ﴿كفرتم به وشَهِدَ شاهدٌ﴾ عظيم ﴿من بني إِسرائيل﴾ الواقفين على شؤون الله وأسرار الوحي، بما أُوتوا من التوراة. والشاهد : عبد الله بن سلام، عند الجمهور، ولهذا قيل : إن الآية مدنية، لأن إسلام " عبد الله بن سلام " بالمدينة. قلت : لَمّا عَلِمَ اللّهُ ما يكون من ابن سلام من الإسلام أخبر به قبل وقوعه، وجعل شهادته المستقبلة كالواقعة، فالآية مكية.
وقوله :﴿على مثله﴾ أي : مثل القرآن من المعاني المنطوية في التوراة، المطابقة لما في القرآن من الوعد والوعيد وغير ذلك، فإنَّ ما فيه عين ما فيها في الحقيقة، كما يُعرب عنه قوله تعالى :﴿وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء : ١٩٦] والمثلية باعتبار كونه من عند الله. وقيل : المثل : صلة.


الصفحة التالية
Icon