الإشارة : قل ما كنت بِدعاً من الرسل، وكذلك الوليّ يقول : ما كنت بِدعاً من الأولياء، مع العصمة والحفظ وصريح الوعد بالنجاة، لاتساع معرفتهم وعلمهم بالله ؛ لأنهم لا يقفون مع عد ولا وعيد ؛ لأن غيب المشيئة لا يعلم حقيقته إلا الله، وقد يكون الوعد معلقاً بشروط أخفاها الله عنهم، ليتحقق اختصاصه بحقيقة العلم، وفي الحديث :" لا تأمن مكري وإن أَمَّنتك "، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره، ولا يكون مع غير الله قراره، وعلى ذلك الششتري في نونيته، حيث قال :
وأي وِصَالٍ في القَضِيَّة يُدَّعى
وأكلُ مَن الْخَلْق لم يدَّع الأمْنا ؟
هذا، وقد قال تعالى في حق رسوله ﷺ :﴿وَللأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى﴾ [الضحى : ٤، ٥] وقال :﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح : ٢]، ومع ذلك كله لم يقف مع ظاهر الوعد، لغيب المشيئة، فقال في حديث ابن مظعون :" والله لا أدري - وأنا رسول - ما يُفعل بي " وحديث ابن مظعون بالمدينة بعد الهجرة، فتبيَّن أنَّ الأمن الحقيقي لا يحصل لأحد قبل الختام، وإن كان الغالب والطرف الراجح أن من وُعد بخيرٍ أو بُشِّر به يُنْجَز له بفضل الله وكرمه، والكريم إذا وعد لا يُخلف، لكن المشيئة وقهرية الربوبية لا تزال فوق رأس العبد حتى يلقاه. والله تعالى أعلم.
قال القشيري : وفي الآية دليل على فساد قول أهل البدع، حيث لم يُجوزوا إيلام البريء عقلاً ؛ لأنه لو لم يَجُزْ ذلك لكان يقول : أعْلَمُ قطعاً أني معصومٌ، فلا محالةَ يغفر لي، ولكنه قال هذا ليُعلم أن الأمر أمرُه، والحكمَ حكمُه، له أن يفعلَ بعباده ما يريد. هـ.


الصفحة التالية
Icon