وَعَيْنُ الرِضَا عَن كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ
ولَكِن عَين السخطِ تُبدِي المساوي
وإذا نقصها له أحدٌ انتقم منه وغضب، وإذا مدحها له فَرِحَ واستبشر، ويرى أنه أهل لكل خيرٍ، وأولى من غيره، فيقول إذا رأى مَن حاز خيراً أو رئاسة، كما قال الكفار : لو كان خيراً ما سبقونا إليه، وعلامة عدم الرضا عنها : إظهار مساوئها، واتهامها في كل حال.
وقال أبو حفص الحداد : مَن لم يتهم نفسه على دوام الأوقات، ولم يخالفها في جميع الأحوال، ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أيامه، كان مغروراً، ومَن نظر إلى نفسه باستحسان شيء منها فقد أهلكها، وكيف يصح لعاقل الرضا عن نفسه ؟ ! والكريم ابن الكريم ابن الكريم يقول :﴿وَمَآ أُبَرِّئُ نَفْسِى﴾ [يوسف : ٣٥] هـ.
فإذا لم يرضَ عن نفسه، وهذّبها، استقامت أحواله، وكان من المحسنين.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٦
يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِن الذين قالوا ربُّنا اللّهُ ثم استقاموا﴾ أي : جمعوا بين التوحيد، الذي هو خاصة العلم، والاستقامة في الظاهر، التي هي منتهى العمل، ﴿فلا خوفٌ عليهم﴾ من لحوق مكروه، ﴿ولا هم يحزنون﴾ على فوات مرغوب، و " ثم " للدلالة على تراخي رتبة العمل، وتوقف الاعتداد به على التوحيد. ودخلت الفاء لتضمن الموصول معنى الشرط، والتعبير بالمضارع للدلالة على دوام نفي الحزن عنهم، ﴿أولئك﴾ الموصوف بما ذكر من الاسمين الجليلين، ﴿أصحابُ الجنة خالدينَ فيها﴾ حال من أصحاب الجنة، والعامل : معنى الإشارة، ﴿جزاء بما كانوا يعملون﴾ من الأعمال الصالحة، و " جزاء " مصدر لمحذوف، أي : جوّزوا جزاء، أو بمعنى ما تقدم، فإن قوله :﴿أولئك أصحاب الجنة﴾ في معنى : جزيناهم.
الإشارة : مضى تفسير الاستقامة، وأنَّ مَن درج على الإيمان والاستقامة حظي بكل كرامة، ووصل إلى جزيل السلامة، وقيل : السين في الاستقامة سين الطلب، وأنَّ المستقيم يتوسل إلى الله تعالى في أن يقيمه على الحق، ويثبته على الصدق. هـ.