قال الورتجبي : ما قال القوم هذا القول - أي :" ربنا الله " - حتى شاهدوه بقلوبهم، وعقولهم، وأرواحهم، وأسرارهم، مشاهدة الحق سبحانه، فإذا رأوه يقولون : هذا
٨٨
الهلال، وصاحوا، وضحكوا، فهذا القول منهم بعد كشف مشاهدة الحق لهم، فلما رأوه أبحوه وعرفوه، وشربوا من بحار وصالة، حتى تمكنوا، فاستقاموا بقوتها في موازاة رؤية أنوار الأزل والآباد، واستقاموا في مراد الله منهم، وأداء حقوق عبوديته، فلا يبقى عليهم خوف الحجاب، ولا حزن العتاب، قال الله تعالى :﴿فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ هـ.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٨
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ووصينا الإِنسانَ﴾ بأن يُحسن ﴿بوالديه حُسناً﴾ وقرأ أهل الكوفة ﴿إحساناً﴾ وهما مصدران، وقرئ :" حَسَناً " بفتح الحاء والسين، أي : يفعل بهما فعلاً حَسَناً، أو : وصينا إيصاءً حَسَاناً، ﴿حملته أُمه كُرْهاً ووضعته كُرهاً﴾ أي : حملته بكُرْهٍ ومشقة، ووضعته كذلك، وذكره للحث على الإحسان والبرور بها، فإن الإحسان إليها أوجب، وأحق من الأب، ونصبهما على الحال، أي : حملته كارهة، أو : ذات كُره، وفيه لغتان ؛ الفتح والضم، وقيل : بالفتح مصدر، وبالضم اسمه. ﴿وحَمْلُه وفِصَالُه﴾ أي : ومدةُ حمله وفصاله، وهو الفطام. وقرأ يعقوبُ :" وفصله " وهما لغتان كالفَطْم والفطام، ﴿ثلاثون شهراً﴾ لأن في هذه المدة عُظَّم مشقة التربية، وفيه دليل على أن أقل مدة ستةُ أشهر ؛ لأنه إذ حُط منه لفطام حولان، لقوله تعالى :﴿حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ [البقرة : ٢٣٣] يبقى للحمل ستة، قيل : ولعل تعيين أقل مدة الحمل، وأكثر مدة الرضاع لانضباطهما، وارتباطِ النسب والرضاع بهما.


الصفحة التالية
Icon