قال ربِّ أوزعني} أي : ألهمني ﴿أن أشكر نعمتك التي أنعمتَ عليَّ﴾ من الهداية والتوحيد، والاستقامة على الدين، ﴿وعلى والديَّ﴾ كذلك، وجمع بين شكر النعمة عليه وعلى والديه ؛ لأن النعمة عليهما نعمةٌ عليه، ﴿وأنْ أعمل صالحاً ترضاه﴾ التنكير للتفخيم والتكثير، قيل : هو الصلوات الخمس، والعموم أحسن، ﴿وأَصْلِحْ لي في ذُريتي﴾ أي : واجعل الصلاة سارياً في ذريتي راسخاً فيهم، أو : اجعل ذريتي مَوقعاً للصلاح دائماً فيهم، ﴿إِني تُبتُ إِليك﴾ من كل ذنب، ﴿وإِني من المسلمين﴾ الذين أخلصوا لك أنفسهم، وانقادوا إليك بكليتهم. قال عليّ رضي الله عنه : نزلت في أبي بكر رضي الله عنه، ولم تجتمع لأحد من أصحاب النبي ﷺ من المهاجرين مَن أسلم أبواه غيره، وأوصاه الله بهما. هـ. فاجتمع لأبي بكر إسلام أبي قحافة وأمه " أم الخير " وأولاده : عبد الرحمن، وابنه عتيق، فاستجاب الله دعاءه في نفسه وفي ذريته، فإنه آمن بالنبي ﷺ وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، ودعا لهم وهو ابن أربعين سنة. قال ابن عباس : أعتق أبو بكر تسعةً من المؤمنين، منهم : بلال، وعامر بن فهيرة، ولم يُرد شيئاً من الخير إلا أعانه الله عليه. هـ.
قال ابن عطية : معنى الآية : هكذا ينبغي للإنسان أن يكون، فهي وصية الله تعالى للإنسان في كل الشرائع، وقول مَن قال : إنها في أبي بكر وأبويه ضعيف، لأن هذه نزلت في مكة بلا خلاف، وأبو قُحافة أسلم يوم الفتح. هـ. قلت : كثيراً ما يقع في التنزيل تنزيل المستقبل منزلة الماضي، فيُخبر عنه كأنه واقع، ومنه :﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِى إِسْرَآءِيلَ﴾ [الأحقاف : ١٠] و ﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت : ٦، ٧] وهذه الآية في إسلام إبي قحافة. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon