﴿أولئك الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا﴾ من الطاعات، فإن المباح لا يُثاب عليه إلا بنية صالحة، فإن يَنقلِب حينئذ طاعة، وضمّن " يتقبل " معنى يتجاوز، فعدّاه بعَن ؛ إذ لا عمَلَ يستوجبُ القبول، لولا عفوُ الله وتجاوزه عن عامله، إذ لا يخلو عمل من خلل أو نقص، فإذا تجاوز الحق عن عبده قَبِلَه منه على نقصه، فلولا حلمه تعالى ورأفته ما كان
٩٠
عملٌ أهلاً للقبول. ﴿ويتجاوز عن سيائتهم﴾ فيغفر لهم، ﴿في﴾ جملة ﴿أصحاب الجنة﴾ كقولك : أكرمني الأمير في نار من أصحابه، أي : أكرمني في جملة مَن أكرمهم، ونظمني في سِلكِهمْ ومحله : نصب على الحال، أي : كائنين في أصحاب الجنة، ومعدودين فيهم، ﴿وَعْدَ الصِّدق﴾ أي : وعدهم وعداً صدقاً، فهو مصدر مؤكد، لأن قوله :﴿يتقبل ويتجاوز﴾ وعد من الله تعالى لهم بالتقبُّل والتجاوز، ﴿الذي كانوا يُوعدون﴾ في الدنيا على ألسنة الرسل عليهم السلام.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٩
الإشارة : لمَّا كانت تربية الأبوين مظهراً لنعمة الإمداد بعد ظهور نعمة الإيجاد وصّى الله تعالى بالإحسان إليهما، وفي الحقيقة : ما ثمَّ إلا تربيةُ الحق، ظهرت في تجلِّي الوالدين، قذف الرأفة في قلوبهما، حتى قاما بتربية الولد، فالإحسان إليها إحسان إلى الله تعالى في الحقيقة. وقال الورتجبي : وصى الإنسانَ بالإحسان إلى أبويه، لأنهما أسباب وجوده، ومصادر أفعال الحق بَدَا منهما بدائعُ قدرته، وأنوارُ ربوبيته، فحُرمتهما حرمة الأصل، ومَن صبرَ في طاعتهما رزقه الله حُسنَ المعاشرة على بساط حُرمته وقُربته.
قال بعضهم : أوصى اللّهُ العوام ببر الوالدين لِما لهما عليه من نعمة التربية والحِفظ، فمَن حفظ وصية الله في الأبوين، وفّقه بركةُ ذلك، لحِفظِ حرمات الله، وكذلك رعاية الأوامر والمحافظةُ عليها تُوصل بركتُها بصاحبها إلى محل الرضا والأنس. هـ.