أوديتهم، فرحوا واستبشروا، وهذا معنى قوله تعالى :﴿فلما رَأَوْهُ﴾ أي : العذاب الذي استعجلوه بقوله :﴿فأتنا بما تعدنا﴾ وقيل : الضمير مبهم، يُفسره قوله :﴿عارضاً﴾ على أنه تمييز، أي : رأوا عارضاً، والعارض : السحاب، سُمي به لأنه يعرض السحاب في أُفق السماء. قال المفسرون : ساق الله السحابة السوداء التي اختاروها بما فيها من النقمة، فخرجت عليهم من واد يُقال له :" مغيث "، فلما رأوها مستقبلة أوديتهم، أي : متوجة إليها، فرحوا، وقالوا :﴿هذا عارض مُمطرنا﴾ أي : ممطر إياناً، لأنه صفة النكرة، فيقدر انفصاله. قال الله تعالى :﴿بل هو ما استعجلتم به﴾ من العذاب، وقيل : القائل هود عليه السلام، ﴿ريحٌ فيها عذابٌ إليم﴾ فجعلت تحمل الفساطيط، وتحمل الظعينة فترفعها في الجو، فتُرى كأنها جرادة.
قال ابن عباس : لما دنا العارض، قاموا فنظروا، فأول ما عروا أنه عذاب رأوا ما كان خارجاً من ديارهم من حالهم ومواشيهم، تطير بهم الريح بين السماء والأرض، مثل الريش، فدخلوا بيوتهم، وأغلقوا أبوابهم، فألقت الريح أبوابهم، وصرعتهم، وأمر الله تعالى الريح فأمالت عليهم الرمال، فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، لهم أنين، ثم أمر الله تعالى الريح، فكشفت عنهم الرمال، فاحتملتهم، فرمت منهم في البحر، وشدخت الباقي بالحجارة.
وقيل : أول مَن أبصر العذاب امرأة منهم، قالت : رأيت ريحاً فيها كشهب النار، وهو معنى قوله :﴿تُدَمّرُ كلَّ شيء﴾ أي : تهلك من نفوس عاد وأموالهم الجم الكثير، فعبّر عن الكثرة بالكلية. ﴿بأمر ربها﴾ أي : رب الريح، وفي ذكر الأمر والرب، والإضافة ألى الريح، من الدلالة على عظيم شأنه تعالى ما لا يخفى، ﴿فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنُهُم﴾ أي : فجاءت الريح فدمرتهم، فصاروا بحيث لا يُرى شيء إلا مساكنهم خاوية، ومَن قرأ بتاء الخطاب، فهو لكل مَن يتأتى منه الرؤية، تنبيهاً على أن حالهم صار بحيث لو نظر كل أحد بلادَهم لا يَرى فيها إلا مساكنهم.