يقول الحق جلّ جلاله :﴿ولقد مكَّنَّاهم﴾ أي : قررنا عاد ومكناهم في التصرُّف ﴿فيما﴾ أي : في الذي، أو في شيء ما ﴿مكناكم﴾ يا معشر قريش ﴿فيه﴾ من السعة والبسطة، وطول الأعمار، وسائر مبادئ التصرفات، فما إغنى عنهم شيء من ذلك، حين نزل بهم الهلاك، وهذا كقوله تعالى :﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِى الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَكُمْ﴾ [الأنعام : ٦] أو : ولقد مكنهم في مثل ما مكنكم فيه، فما جرى عليهم يجري عليكم، حيث خالفتم نبيكم، والأول أوفق بقوله :﴿كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَءَاثَاراً فِى الأَرْضِ﴾ [غافر : ٢١] وقوله :﴿هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً﴾ [مريم : ٧٤].
﴿وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدةً﴾ أي : آلات الإدراك والفهم، ليعرفوا بكل واحدة منها ما خلقتْ له، وما نيطت به معرفته، من فنون النعم، ويستدلوا بها شؤون منعمها، ويداوموا على شكرها، ويوحدوا خالقها، ، ﴿فما أغنى عنهم سمعُهم﴾ حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل، ﴿ولا أبصارهم﴾ حيث لم يُبصروا ما نصب من الآيات الدالة على وحدانيته تعالى ووجوب وجوده، ﴿ولا أفئدتهم﴾ حيث لم يتفكّروا بها في عظمة الله تعالى وأسباب معرفته، فما أغنت عنهم ﴿من شيء﴾ أي : شيئاً من الإغناء. و ﴿من﴾ زائدة ؛ للتأكيد، وقوله :﴿إِذ كانوا يجحدون بآيات الله﴾ ظرف لقوله :﴿فما أغنى﴾ جارٍ مجرى التعليل، لاستواء مؤدّي التعليل والظرف في قولك : ضربته إذ أساء، أو : لإساءته، لأنك إذا ضربته وقت إساءته فإنما ضربته فيه لوجود إساءته فيه، وكذلك الحال في " حيث " دون سائر الظروف غالباً، أي : فما أغنت عنهم آلات الإدراك لأجل جحودهم بآيات الله. ﴿وحاق﴾ أي : نزل ﴿بهم ما كانوا به يستهزؤون﴾ من العذاب
٩٨
الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء، ويقولون :﴿فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٩٨


الصفحة التالية
Icon