وقيل : أمره اللّهُ تعالى أن يُنذر الجن، ويقرأ عليهم، فصرف الله إليه نفراً منهم، وجمعهم له، فقال ﷺ :" إني أُمرت أن أقرأ على الجن، فمَن يتبعني ؟ " قالها ثلاثاً، فأطرقوا إلا عبد الله بن مسعود، قال : فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة، في شعب الجحون، فخطّ خطّاً، فقال :" لا تخرج عنه حتى أعود إليك "، ثم افتتح القرآن، وسمعت لغطاً شديداً، حتى خفت على رسول الله ﷺ فجعلت أرى أمثال النسور تهوي وتمشي، وغشيته أسوِدة كثيرة حالت بيني وبينه، حتى ما أسمع صوته، ثم تتقطع كقطع الحساب، ذاهبين، ففرغ ﷺ مع الفجر، فقال :" أنمتَ ؟ " فقلت : لا والله، ولقد هممت مراراً أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك، تقول : اجلسوا، فقال : لو خرجت لم آمن عليك أن يتخطفك بعضهم، ثم قال رسولُ الله ﷺ :" هل رأيت شيئاً ؟ " قلت : نعم، رجالاً سوداً، في ثياب بيض، قال :" أولئك جن نصيبين " وكانوا اثني عشر ألفاً، والسورة التي قرأ عليهم :﴿اقرأ باسم ربك﴾. فلمَّا رجعوا إلى قومهم ﴿قالوا يا قومنا إِنا سمعنا كتاباً أُنزل من بعد موسى﴾ قيل : قالوا ذلك لأنهم كاناو على اليهودية، وعن ابن عباس : إن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام وهو بعيد. حال كون الكتاب ﴿مُصدّقاً لما بين يديه يهدي إِلى الحق﴾ من العقائد الصحيحة، أو إلى الله، ﴿وإِلى صراطٍ مستقيم﴾ يُوصل إلى الله، وهو الشرائع والأعمال الصالحة.
١٠٠