يقول الحق جلّ جلاله :﴿فإِذا لقيتم الذين كفروا﴾ في المحاربة ﴿فَضَرْبَ الرقابِ﴾ أصله : فاضربوا الرقاب ضرباً، فحذف الفعل وناب عن مصدره ؛ للاختصار، مع إعطاء معنى التوكيد، لدلالة نصبه على مؤكده، وضرب الرقاب عبارةٌ عن مطلق القتل، والتعبير به عن القتل تصوير له بأشنع صورة وتهويل لأمره، وإرشاد للغزاة إلى أيسر ما يكون، ﴿حتى إِذا أَثخنتموهم﴾ أكثرتم فيه القتل، وأغلظتموه، من : الشيء الثخين، وهو الغليظ، أو : أثقلتموهم بالجِراح وهزمتموهم، ﴿فشُدُّوا الوَثاقَ﴾ أي : فأسِروهم، وشُدوا وثاقهم، لئلا يتفلتوا، والوثاق بالفتح والكسر : ما يشد به. فإذا أسرتموهم فتخيّروا فيهم ﴿وإِما فِدَاءً﴾ أن تفدوا فداءً، والمعنى : التخيُّر بين الأمرين بعد الأسر، بين أن يَمُنُّوا عليهم فيطلقوهم، وبين أن يُفادوهم، ومذهب مالك : أن الإمام مُخَيَّر في الأسارى بين خمسة، وهي : المنّ، والفداء، والقتل، والاسترقاق، وضرب الجزية، وقيل : لا يجوز المَن ولا الفداء ؛ لأن الآية منسوخة بقوله :﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبة : ٥] فيتعين قتلهم، والصحيح أنها محكمة، ومَذْهَب الشافعي : أن الإمام مُخير بين أربعة : القتل، والاسترقاق، والفداء بأسارى المسلمين، والمنّ. ولعل الجزية عنده خاصة بأهل الكتاب.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٨
ومذهب أبي حنيفة : التخيير بين القتل والاسترقاق فقط، قال : والآية منسوخة ؛ لأن سورة براءة آخر ما نزل. وعن مجاهد : ليس اليوم مَنّ ولا فداء، والمراد بالمنّ في الآية.
١٠٨
أن يمنّ عليهم بترك القتل، فيسترقوا، أو يمنّ عليهم بإعطاء الجزية. هـ.
والمشهور : مذهب مالك ؛ لأن النبي ﷺ قتل عقبةَ بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، يوم بدر صبراً، وفادى سائر الأسارى، ومَنَّ على ثمامة بن أثال الحنفي، وهو أسير، وارتق نساء بني قريظة، فابعهم، وضرب الجزية على نصارى نجران ومجوس هاجر.


الصفحة التالية
Icon