ثم ذكر غاية الحرب فقال :﴿حتى تضع الحربُ أوزارها﴾ أي : اضربوا رقابهم حتى تضع الحرب أثقالها، وآلاتها، التي لا قوم إلا بها، كالسلاح والكراع، وذلك حيث لم يبقَ حرب، بأن تضع أهل الحرب عُدتها، وقيل :﴿أوزارها﴾ آثامها، يعني : حتى يترك أهل الحرب المشركين شركهم، بأن يُسلموا جميعاً. والمختار : أن المعنى : أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يظهر الإسلام على سائر الأديان، ويؤمن أهل الكتاب، طوعاً أو كرهاً، ويكون الدين كله للّه، فلا يحتاج إلى قتال. وقال الحسن : معناه، : حتى لا يُعبد إلا الله. وقال ابن عطية : ظاهر اللفظ : أنها استعارة، يُراد بها التزام الأمر كذلك أبداً، كما تقول : أنا أفعل ذلك إلى يوم القيامة. هـ. فالغاية بـ " حتى " راجعة إلى الضرب والشد، وما ترتب عليه من المنّ والفداء.
﴿ذلك﴾ الأمر ذلك، أو افعلوا ذلك، ﴿ولو يشاء اللّهُ لانتصرَ﴾ لانتقم ﴿منهم﴾ بغير قتال ؛ بأن ينزل بهم أسباب الهلاك والاستئصال، كالخسف أو الرجف أو غير ذلك، ﴿ولكن﴾ أمركم بالقتال ﴿ليَبلُوا بعضَكم ببعض﴾ أي : المؤمنين بالكافرين، فأمَرَهم بالجهاد ليستوجبوا الثواب العظيم، وليسلم مَن سبق إسلامه من الكافرين. ﴿والذين قاتلوا في سبيل الله﴾ لإعلاء كلمة التوحيد، لا لغرض آخر، ﴿فلن يُضِلَّ أعمالَهم﴾ فلن يضيعها.
﴿سيهديهمْ﴾ في الدنيا إلى طريق الرشد والصواب، وفي الآخرة إلى جزيل الثواب وقيل : يهديه إلى جواب منكر ونكير، ﴿ويُصلحُ بالَهم﴾ بأن يَقبل أعمالهم ويُرضي خصماءهم، ﴿ويُدخلهم الجنةَ عَرَّفها لهم﴾. قال مجاهد : عرّفهم مساكنهم فيها ؛ حتى لا يحتاجوا إلى دليل لها، أو : طَيَّبها، من : العَرف، وهو طيب الرائحة، ويمكن الجمع : بأن عَرْف المحل يهدي صاحبَه إلى جنته ومحله.


الصفحة التالية
Icon