وقوله تعالى :﴿واستغفر لذنبك﴾ قال الورتجبي عن الجنيد : أي : اعلم حقيقة أنك بنا ولنا وبنا، عَلِمتنا، وإياك أن ترى نفسَك في ذلك، فإن خطر بك خاطر غَيْرٍ، فاستغفر
١٢٠
من خاطرك، فلا ذنب ولا خطب أعظم ممن رجع عنا إلى سوانا، ولو في خطرة ونفَس، ثم قال عن الأستاذ القشيري : إذا علمت أنك علمته فاستغفر لذنبك من هذا ؛ فإن الحق علا جلال قدره أن يعلمه غيره. هـ. قلت : وحاصله : أنَّ استغفاره ﷺ ما عسى أن يخطر بباله رؤية وجوده، كما قال الشاعر :
وجُودك ذَنْبٌ لاَ يُقَاسُ بِه ذَنْبُ
فَلاَ وُجوُدَ لِلْغَيْرِ مَعَهُ أَصْلاً، فهو الذي عَرف نفسه بنفسه، ووحّد نفسه بنفسه، وقدّس نفسه بنفسه، وعظّم نفسه بنفسه، كما قال الهروي رضي الله عنه حين سُئل عن التوحيد الخاص :
مَا وَحَّدَ الْوَاحِدَ مِنْ وَاحد
إِذْ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جَاحِدُ
تَوحِيدُ مَنْ يَنْطِق عَنْ نَعْتِه
عَارِيَةٌ أَبْطَلَها الْوَاحِدُ
تَوْحِيدُه إِيّاه توحِيدُه
وَنَعْتُ مَنْ يَنْعَتُه لأحِدْ
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١١٨
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ويقول الذين آمنوا لولا نُزَّلت سورةٌ﴾ فيها ذِكر الجهاد، وذلك أنَّ المؤمنين كان حرصُهم على الجهاد يبعثهم على تمني ظهور الإسلام، وتمني قتال العدو، فكانوا يأنسوا بالوحي، ويستوحشون إذا أبطأ، وكان المنافقون على العكس من ذلك، ﴿فإِذا أُنزلت سورةٌ﴾ في معنى الجهاد ﴿محكمةٌ﴾ أي : مبيّنة غير متشابهة، لا تحتمل وجهاً إلا وجوب الجهاد. وعن قتادة : كل سورة فيها ذِكْر القتال فهي محكمة ؛ لأن النسخ لا يَردُّ عليها ؛ لأن القتال نسَخَ ما كان قبلُ من الصلح والمهادنة، وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة. هـ.


الصفحة التالية
Icon