يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِنَّ الذين ارتَدُّوا على أدبارهم﴾ أي : رجعوا إلا الكفر، وهم المنافقون، الذين وُصفوا قبلُ بمرض القلوب، وغيره، من قبائح الأفعال والأحوال، فإنهم كفروا به ﷺ ﴿من بعد ما تبيّن لهم الهُدى﴾ بالدلائل الظاهرة، والمعجزات القاهرة. وقيل : اليهود، وقيل : أهل الكتابيْن جميعاً، كفروا به ﷺ بعدما وجدوا نعته في كتابهم، وعرفوا أنه المنعوت بذلك، وقوله تعالى :﴿الشيطانُ سوَّل لهم﴾ الجملة : خبر " إن " أي : الشيطان زيَّن لهم ذلك، أو : سهَّل لهم ركوب العظائم، من : السّول، وهو الاسترخاء، أي : أَرْخى العنانَ لهم، حتى جرَّهم إلى مراده، ﴿وأَمْلَى لهم﴾ ومدَّ لهم في الآمال والأماني، وقرأ البصري :" وأُمْليَ " بالبناء للمفعول، أي : أُمهلوا ومُدَّ في عُمرهم.
﴿ذلك بأنهم قالوا للذين كَرِهوا ما نزّل اللّهُ﴾ الإشارة إلى ما ذُكر من ارتدادِهم، لا إلى الإملاء، ولا إلى التسويل - كما قيل - إذ ليس شيئاً منهما سبباً في القول الآتي ؛ أي : ذلك الارتداد بسبب أنهم - أي المنافقون - قالوا لليهود الذين كرهوا ما نَزَّل الله من القرآن على رسول الله ﷺ بعدما علموا أنه من عند الله حسداً وطمعاً في نزوله عليهم :﴿سنُطيعكم في بعض الأمر﴾ أي : عداوة محمد والقعود عن نصْرِ دينه، أو : في نصرهم والدفع عنهم إن نزل بهم شيء، من قِبَلهِ عليه السلام، وهو الذي حكاه عنهم بقوله تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ...﴾ [الحشر : ١١] الآية وهم بنو قريظة والنضير، الذين كانوا يُوالونهم ويُوادونهم، وإنما كانوا يقولون لهم ذلك سرّاً، كما ينبئ عنه قوله تعالى :﴿والله يعلم أسرارهم﴾ أي : جميع أسرارهم التي من جملتها : قولهم هذا، وقرأ الأخوان وحفص بكسر الهمزة مصدر، أي : إخفاءَهم لما يقولون لليهود.
١٢٤