﴿ولَتعرِفَنَّهم﴾ أي : والله لتعرفنهم ﴿في لحن القول﴾ أي : مجراه وأسلوبه وإمالته عن الاعتدال ؛ لما فيه من التذويق والتشديق، وقد كانت ألسنتهم حادة، وقلوبهم خاربة، كما قال تعالى :﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ...﴾ [البقرة : ٢٠٤] الآية، مَن في قلبه شيءٌ لا بد أن يظهر على لسانه، كما قيل :" ما كمَن فيك ظَهَرَ على فِيك ". وهذه الجُمل كلها داخِلة تحت " لَوْ " معلقةً بالمشيئة، واللحن يُطلق على وجهين : صواب وخطأ، فالفعل من الصواب : لَحِنَ يلْحَنُ لَحْناً، كفرِح، فهو لَحِنٌ، إذا فطنَ للشيء، ومنه قوله ﷺ :" ولعل بعضَكم أن يكون ألحن بحجته من بعض " أي : لقُوتهِ على تصريف الكلام.
١٢٥
والفعلُ من الخطأ : لَحَنَ يلحَنُ لحْناً، كجعل، فهو لاَحِنٌ إذا أخطأ، والأصل فيه : إزالة الكلام عن جهته، مأخوذ من : اللحن، وهو ضد الإعراب، وهو الذهاب عن الصواب في الكلام. ﴿والله يعلم أعمالَكم﴾ فيُجازيكم بحسب قصدكم ؛ إذا الأعمال بالنيات، وهذا وعد للمؤمنين، وإيذانٌ بأن حالهم بخلاف حال المنافقين، أو : يعلم جميع أعمال العباد، فيميزُ خيرَها من شرها.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٢٤
الإشارة :﴿إن الذين ارتدوا على أدبارهم﴾ أي : رَجعوا عن صحبة المشايخ، بعدما ظهر لهم أسرارُ خصوصيتهم ؛ الشيطانُ سوَّل لهم وأَمْلَى لهم، وتقدّم عن القشيري : أنه يتخلّف عنهم يوم القيامة، ولا يلحق بالمقربين، ولو يشفع فيه ألفُ عارف، بل من كمال المكر به أن يُلقي شَبَهَه في الآخرة على غيره، حتى يتوهم عارفوه من أهل المعرفة أنه هو، فلا يشفع أحد فيه ؛ لظنهم أنه معهم، فإذا ارتفعوا إلى عليين مُحيت صورته، ورُفع إلى مقام العامة، انظر معناه في آل عمران.


الصفحة التالية
Icon